للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولأنَّ المُسْتَحَقَّ مَعْلُومُ القَدْرِ والصِّفَةِ، فلم يَجُز النَّقْصُ في الصِّفَةِ، كما لا يجوزُ في القَدْرِ. وأمَّا الرِّبَا فلا يَجْرِى هاهُنا؛ لأنَّ المُخْرَجَ حَقُّ [اللهِ تعالى] (١٣)، ولا رِبَا بين العَبْدِ وسَيِّدِهِ، ولأنَّ المُسَاواةَ في المِعْيَارِ الشَّرْعِيِّ إنَّما اعْتُبِرَتْ في المُعَاوَضاتِ، والقَصْدُ من الزكاةِ المُوَاساةُ، وإغْنَاءُ الفَقِيرِ، وشُكْرُ نِعْمَةِ اللَّه تعالى، فلا يَدْخُلُ الرِّبَا فيها. فإن قِيلَ: فلو أخْرَجَ في الماشِيَةِ رَديئَتَيْنِ عن جَيِّدَةٍ، أو أخْرَجَ قَفِيزَيْنِ رَدِيئَيْنِ عن قَفِيزٍ جَيِّدٍ، لم يَجُزْ، فلم أجَزْتُم أن يُخْرِجَ عن الصَّحِيحِ أكْثَرَ منه مُكَسَّرًا؟ قلنا: يجوزُ ذلك إذا لم يكنْ [فيما أخْرَجَه] (١٤) عَيْبٌ سِوَى نَقْصِ القِيمَةِ، وإنْ [سَلَّمْنا ثَمَّ] (١٥)، فالفَرْقُ بينهما أنَّ القَصْدَ من الأثْمانِ القِيمَةُ لا غيرُ، فإذا تَساوَى الواجِبُ والمُخْرَجُ في القِيمَةِ والقَدْرِ، جازَ، وسائِرُ الأَمْوَالِ يُقْصَدُ الانْتِفاعُ بِعَيْنِها، فلا يَلْزَمُ من التَّساوِى في الأمْرَيْنِ الإِجْزاءُ؛ لِجَوازِ أن يَفُوتَ بعضُ المَقْصُودِ.

فصل: وهل يجوزُ إخْرَاجُ أحَدِ النَّقْدَيْنِ عن الآخَرِ؟ فيه رِوايَتانِ. نَصَّ عليهما؛ إحْدَاهما، لا يجوز. وهو اخْتِيارُ أبى بكرٍ؛ لأنَّ أنْواعَ الجِنْسِ لا يجوزُ إخْراجُ أحَدِهما عن الآخَرِ إذا كان أقَلَّ في المِقْدَارِ، فمع اخْتِلافِ الجِنْسِ أوْلَى. والثانية، يجوزُ، وهو أصَحُّ، إن شاءَ اللهُ؛ لأنَّ المَقْصُودَ من أحَدِهما يَحْصُلُ بإخْراجِ الآخَرِ، فيُجْزِئُ، كأنْواعِ الجِنْسِ، وذلك لأنَّ المَقْصُودَ منهما جَمِيعًا الثَّمَنِيَّةُ والتَّوَسُّلُ بهما (١٦) إلى المَقاصِدِ، وهما يَشْتَرِكان فيه على السَّوَاءِ، فأشْبَهَ إخْراجَ المُكَسَّرَةِ عن الصِّحاحِ، بخِلافِ سائِرِ الأجْناسِ والأنْواعِ، ممَّا تَجِبُ فيه الزكاةُ، فإنَّ لِكُلِّ جِنْسِ مَقْصُودًا مُخْتَصًّا به، لا يَحْصُلُ من الجِنْسِ الآخَرِ، وكذلك أنْواعُها، فلا


(١٣) في م: "للَّه".
(١٤) في م: "في إخراجه".
(١٥) في م: "سلمناه".
(١٦) في م: "بها".

<<  <  ج: ص:  >  >>