للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نفسِه، وتَعْيِينُ قاتلِه، ومَن قُطِعَ طَرَفُه، يُمْكِنُه ذلك، وحُكْمُ الدَّعْوَى فيه حُكُمُ الدَّعْوَى في سائرِ الحقوقِ، والبَيِّنَةُ على المُدَّعِي، واليَمِينُ على مَن أنكرَ يَمِينًا واحدةً؛ لأنَّها دَعْوَى لا قَسامَةَ فيها، فلا تُغَلَّظُ بالعَدَدِ، كالدَّعوَى في المالِ.

١٥٢٨ - مسألة؛ قال: (وَلَيْسَ لِلْأَوْلِيَاءِ أَنْ يُقْسِمُوا عَلَى أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ)

لا يخْتلِفُ المذهَبُ أنَّه لا يُسْتَحَقُّ بالقَسامةِ أكثرُ من قَتْلِ واحدٍ. وبهذا قال الزُّهْرِيُّ، ومالكٌ، وبعضُ أصْحابِ الشافعيّ. وقال بعضُهم: يُسْتَحَقُّ بها قتلُ الجماعةِ؛ لأنَّها بيِّنَةٌ مُوجِبَةٌ للقَوَدِ، فاسْتوَى فيها الواحِدُ والجماعةُ، كالبَيِّنَةِ. وهذا نحوُ قولِ أبي ثَوْرٍ. ولَنا، قولُ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يُقْسِمُ خَمْسُونَ مِنْكُم عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ، فَيُدْفَعُ إِلَيْكُمْ بِرُمَّتِهِ" (١). فخَصَّ بها الواحدَ؛ ولأنَّها بَيِّنَةٌ ضَعِيفةٌ، خُولِفَ بها الأصلُ في قَتْلِ الواحدِ، فيُقْتصَرُ عليه، ويَبْقَى على الأصلِ فيما عَداه. وبَيانُ مُخالفةِ الأصلِ بها، أنَّها تَثْبُتُ باللَّوْثِ، واللَّوْثُ شُبْهَةٌ مُغَلِّبةٌ على الظَّنِّ صِدْقَ المُدَّعِي، والقَوَدُ يسْقُطُ بالشُّبُهاتِ، فكيفَ يَثْبُتُ بها! ولأنَّ الأيْمانَ في سائرِ الدَّعاوَى تَثْبُتُ (٢) ابتداءً في جانبِ المُدَّعَى عليه، وهذه (٣) بخلافِه. وبيانُ ضَعْفِها، أنَّها تَثْبُتُ (٢) بقولِ المُدَّعِى ويَمِينِه، مع التُّهْمةِ في حقِّه، والشَّكِّ في صِدْقِه، وقيام العداوةِ المانِعَةِ من صِحَّةِ الشَّهادَةِ عليه في إِثْباتِ حَقٍّ لغيرِه، فلأَن يُمْنَعَ من قَبُولِ قولِه وحدَه في إثْباتِ حقِّه لنفسِه أَوْلَى وأَحْرَى. وفارقَ البيِّنَةَ، فإنَّها قَوِيَتْ بالعَددِ، وعَدالةِ الشُّهودِ، وانْتفاءِ التُّهْمةِ في حقِّهم من الجِهَتيْن، في كَوْنِهم لا يُثْبِتُونَ لأنْفُسِهم حقًّا ولا نَفْعًا، ولا يدْفَعُون عنها ضُرًّا، ولا عَداوة بينهم وبينَ المشْهودِ عليه، ولهذا يَثْبُتُ بها سائرُ الحقوقِ والحُدودِ التي تَنْتَفِي بالشُّبُهاتِ. إذا ثَبَتَ هذا، فلا قَسامةَ فيما لا قَوَدَ فيه، في قولِ الْخِرَقِيِّ، فيَطَّرِدُ قَوْلُه في أنَّ القَسامَةَ لا تُشْرَعُ


(١) تقدم تخريجه في صفحة ١٨٨.
(٢) في الأصل: "ثبتت".
(٣) في ب، م: "وهذا".

<<  <  ج: ص:  >  >>