للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رُوِى عن عمرَ، رَضِىَ اللهُ عنه، أنَّه أوْصَى لأُمَّهاتِ أوْلادِه بأرْبَعةِ آلافٍ (٨). رَوَاهُ سَعِيدٌ. ورُوِى ذلك عن عِمْرانَ بن الحُصَيْنِ. وبه قال مَيْمُونُ بن مِهْرانَ، والزُّهْرِيُّ، ويحيى الأَنْصارِيُّ، ومالِكٌ، والشافِعِيُّ، وإسحاقُ. وإن وَصَّى لِمُدَبَّرِهِ، صَحَّ؛ لأنَّه يَصِيرُ حُرًّا حين لُزُومِ الوَصِيَّةِ، فصَحَّتِ الوَصِيَّةُ له، كأُمِّ الوَلَدِ. وإن لم يَخْرُجْ من الثُّلُثِ هو والوَصِيَّةُ جَمِيعًا، قُدِّمَ عِتْقُه على الوَصِيَّةِ؛ لأنَّه أنْفَعُ. وقال القاضي: يَعْتِقُ بعضُه، ويَمْلِكُ من الوَصِيَّةِ بِقَدْرِ ما عَتَقَ منه. ولَنا، أنَّه وَصَّى لِعَبْدِه وَصِيّةً صَحِيحَةً، فيُقَدَّمُ عِتْقُه على ما يَحْصُلُ له من المالِ، كما لو وَصَّى لِعَبْدِه القِنِّ بمُشَاعٍ من مالِه.

فصل: وإن أوْصَى لِعَبْدِ غيرِه، صَحَّ، وتكون الوَصِيّةُ لسَيِّدِهِ (٩)، والقَبُولُ في ذلك إلى العَبْدِ؛ لأنَّ العَقْدَ مُضَافٌ إليه، فأشْبَهَ ما لو وَهَبَه شيئًا، فإذا قَبِلَ ثَبَتَ لِسَيِّدِه، لأنَّه من كَسْبِ عَبْدِه، وكَسْب العَبْدِ لِسَيِّدِه، ولا تَفْتَقِرُ في القَبُولِ إلى إذْنِ السَّيِّدِ؛ لأنَّه كَسْبٌ، فصَحَّ من غيرِ إذْنِ سَيِّدِه، كالاحْتِطَابِ. وهذا قول أهْلِ العِرَاقِ، والشافِعِيِّ. ولأصْحابِه وَجْهٌ آخَرُ (٩)، أنَّ القَبُولَ يَفْتَقِرُ إلى إذْنِ السَّيِّدِ، لأنَّه تَصَرُّفٌ من العَبْدِ، فأشْبَهَ بَيْعَه وشِرَاءَه. ولَنا، أنَّه تَحْصِيلُ مالٍ بغيرِ عِوَضٍ، فلم يَفْتَقِرْ إلى إذْنِه، كقَبُولِ الهِبَةِ وتَحْصِيلِ المُباحِ. وإن وَصَّى لِعَبْدِ وارِثِه، فهى كالوَصِيَّةِ لِوَارِثِه، يَقِفُ على إِجَازَةِ الوَرَثةِ. وبه قال الشافِعِيُّ، وأبو حنيفةَ. وقال مالِكٌ: إن كان يَسِيرًا جازَ؛ لأنَّ العَبْدَ يَمْلِكُ، وإنَّما لِسَيِّدِه أخْذُه من يَدِه، فإذا وَصَّى له بشيءٍ يَسِيرٍ، عُلِمَ أنَّه قَصَدَ بذلك العَبْدَ، دونَ سَيِّدِه. ولَنا، أنَّها وَصِيّةٌ لِعَبْدِ وارِثه، فأشْبَهَتِ الوَصِيّةَ


(٨) في أ، م زيادة: "أربعة آلاف". وهى زيادة في سنن الدارمي. وأخرجه سعيد، في: وصية الصبى. السنن ١/ ١٢٨. كما أخرجه الدارمي، في: باب من أوصى لأمهات أولاده، من كتاب الوصايا. سنن الدارمي ٢/ ٤٢٣.
(٩) سقط من: م.

<<  <  ج: ص:  >  >>