للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا} (٤٩) فقد رُوِىَ عن أحمدَ أنَّ صلاتَه تَبْطُلُ بذلك. وهو مذهبُ أبي حنيفةَ؛ لأنَّه خِطابُ آدَمِيٍّ، فأَشْبَهَ ما لو كَلَّمَه. ورُوِىَ عنه ما يَدُلُّ على أنَّها لا تَبْطُلُ؛ لأنَّه قال في مَن قِيلَ له: مات أبوك. فقال: {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}. لا يُعِيدُ الصَّلاةَ. واحْتَجَّ بحديثِ عَلِيٍّ، حين قال لِلخارِجِيِّ: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ}. ورُوِىَ نحوُ هذا عن ابْنِ مسعودٍ، وابْنِ أبي لَيْلَى. ورَوَى أبو بكرٍ، الخَلَّالُ، بإِسْنَادِهِ عن عَطَاءِ بن السَّائِبِ، قال: اسْتأْذَنَّا علَى عبد الرحمن بن أبي لَيْلَى، وهو يُصَلِّى. فقال: {ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} (٥٠). فقُلْنا: كيف صنعتَ! فقال: اسْتَأْذَنَّا على عبدِ اللهِ بن مسعودٍ وهو يُصَلِّى، فقال: {ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ}. ولأنَّه قرأ القرَانَ، فلم تَفْسُدْ صلاتُه، كما لو لم يَقْصِدْ به التَّنْبِيهَ. وقال القاضي: إن قَصَد التِّلاوةَ دونَ التَّنْبِيهِ، لم تَفْسُدْ صَلاتُه، [وإنْ حصَل التَّنْبِيهُ] (٥١) وإن قَصَدَ التَّنْبِيهَ دونَ التِّلاوَةِ، فَسَدَتْ صَلاتُه؛ لأنَّه خاطبَ آدَمِيًّا، وإن قَصَدَهُما جميعًا ففيه وَجْهَانِ: أحَدُهما، لا تَفْسُدُ صَلاتُه. وهو مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لا ذكرْنا من الآثَارِ والمَعْنَى. والثَّاني، تَفْسُدُ صلاتُه؛ لأنَّه خَاطَبَ آدَمِيًّا، أشْبَهَ ما لو لم يَقْصِد التِّلاوَةَ. فأمَّا إن أتَى ما لا يَتَميَّزُ به القرآنُ من غيرِه، كَقولِه لِرَجُلٍ اسْمُه إبراهيم: يا إبراهيمُ. أو لعيسى: يا عيسى. ونحو ذلك، فسدتْ صَلاتُه؛ لأنَّ هذا كلامُ النَّاسِ، ولم يَتَميَّزْ عن كَلامِهم بما يَتَميَّزُ به القرآنُ، فأشْبَهَ ما لو جَمَعَ بين كَلِمَاتٍ مُفَرَّقَةٍ (٥٢) في القرآنِ، فقال يا إبراهيمُ خُذِ الكِتَابَ الكبيرَ.

فصل: يُكْرَهُ أن يَفْتَحَ مَن هو في الصَّلاةِ على مَن هو في صلاةٍ أُخْرَى، أو على مَن ليس في صلاةٍ؛ لأنَّ ذلك يَشْغَلُه عن صلاتِه، وقد قال النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنَّ في الصَّلاةِ


(٤٩) سورة هود ٣٢.
(٥٠) سورة يوسف ٩٩.
(٥١) سقط من: ا، م.
(٥٢) في أ، م: "متفرقة".

<<  <  ج: ص:  >  >>