للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واخْتَلَفا فيما يُفْسِدُه، فكان القولُ قولَ مَن يَدَّعِى الصِّحَّةَ، كالتى قَبْلَها. ويَحْتَمِلُ أنْ يُقْبَلَ قولُ مَن يَدَّعِى الصِّغَرَ؛ لأنَّه الأصلُ. وهو قولُ بعضِ أصحابِ الشّافِعِىِّ. ويُفارِقُ ما إذا اخْتَلَفا فى شَرْطٍ فاسِدٍ أو إكراهٍ لِوَجْهَيْنِ؛ أحَدِهما، أنّ الأصلَ عَدَمُه. وهاهُنا الأصلُ بقاؤه. والثَّانِى، أنّ الظّاهِرَ مِن المُكَلَّفِ أنَّه لا يَتَعاطَى إلّا الصَّحِيحَ. وهاهُنا ما ثَبَتَ أنَّه كان مُكَلَّفًا. وإنْ قال: بِعْتُكَ وأنا مَجْنُونٌ. فإنْ لم يُعْلَمْ له حالُ جُنُونٍ، فالقولُ قولُ المُشْتَرِى؛ لأنَّ الأصلَ عَدَمُه. وإن ثَبَتَ أنَّه كان مَجْنُونًا، فهو كالصَّبِىِّ. ولو قال العَبْدُ: بِعْتُكَ، وأنا غيرُ مَأْذُونٍ لى فى التِّجارَةِ. فالقولُ قولُ المُشْتَرِى. نَصَّ عليه، فى روايَةِ مُهَنَّا؛ لأنَّه مُكَلَّفٌ، والظّاهِرُ أنَّه لا يَعْقِدُ إلّا عَقْدًا صَحِيحًا.

فصل: وإنْ ماتَ المُتَبايِعانِ، فوَرَثَتُهما بمَنْزِلَتِهِما فى جَمِيعِ ما ذَكَرْناه؛ لأنَّهم يَقُومُونَ مَقامَهما، فى أخْذِ مَالِهما، وإرْثِ حُقُوقِهما، فكذلك ما يَلْزَمُهما، أو يَصِيرُ لهما.

فصل: وإنِ اخْتَلَفا فى التَّسْلِيمِ، فقال البائِعُ: لا أُسَلِّمُ المَبِيعَ حتى أقْبِضَ الثَّمَنَ. وقال المُشْتَرِى: لا أُسَلِّمُ الثَّمَنَ حتى أقْبِضَ المَبِيعَ. والثَّمَنُ فى الذِّمَّةِ، أُجبِرَ البائِعُ على تَسْلِيمِ المَبِيعِ، ثم أُجْبِرَ المُشْتَرِى على تَسْلِيمِ الثَّمَنِ. فإنْ كان عَيْنًا، أو عَرْضًا بِعَرْضٍ، جُعِلَ بينَهما عَدْلٌ، فيَقْبِضُ مِنهما، ثم يُسَلِّمُ إليهما. وهذا قولُ الثَّوْرِىِّ، وأحدُ قَوْلَىِ (١٠) الشَّافِعِىِّ. وعن أحمدَ ما يَدُلُّ على أنّ البائِعَ يُجْبَرُ على تَسْلِيمِ المَبِيعِ على الإِطلاقِ. وهو قولٌ ثانٍ للشّافِعىِّ. وقال أبو حنيفةَ، ومالكٌ: يُجْبَرُ المُشْتَرِى على تَسْلِيمِ الثَّمَنِ؛ لأنّ للبائِعِ حَبْسَ المَبِيعِ على تَسْلِيمِ الثَّمَنِ، ومَنِ اسْتَحَقَّ ذلك لم يَكُنْ عليه التَّسْلِيمُ قبلَ الاسْتِيفاءِ، كالمُرْتَهِنِ. ولنا، أنّ تَسْلِيمَ المَبِيعِ يَتَعَلَّقُ به اسْتِقْرارُ البَيْعِ وتَمامُه، فكان تَقْدِيمُه أوْلَى، سِيَّما مع تَعَلُّقِ الحَقِّ (١١) بعَيْنِه،


(١٠) فى الأصل: "أقوال".
(١١) فى م: "الحكم".

<<  <  ج: ص:  >  >>