للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشُّفْعةَ إنَّما تَثْبُتُ على خِلَافِ الأصْلِ دَفْعًا لِضَرَرِ الشَّرِيكِ الدَّاخِلِ، خَوْفًا من سُوءِ المُشَارَكةِ ومُؤْنةِ القِسْمةِ، فإذا أخَذَ بعضَ الشِّقْصِ، لم يَنْدَفِعْ عنه الضَّرَرُ، فلم يَتَحَقَّق المَعْنَى المُجَوِّزُ لِمُخَالَفَةِ الأصْلِ، فلا تَثْبُتُ. ولو كان الشَّفِيعُ واحدًا، لم يَجُزْ له أخذُ بعضِ المَبِيعِ؛ لذلك، فإن فَعَلَ، سَقَطَتْ شُفْعَتُه؛ لأنَّها لا تَتَبَعَّضُ، فإذا سَقَطَ بعضُها، سَقَطَ جَمِيعُها، كالقِصَاصِ. وإن وَهَبَ بعضُ الشُّرَكاءِ نَصِيبَه من الشُّفْعةِ بعضَ شُرَكائِه أو غيرَه، لم يَصِحَّ؛ لأنَّ ذلك عَفْوٌ، وليس بِهِبَةٍ، فلم يَصِحَّ لغير مَنْ هو عليه، كالعَفْوِ عن القِصَاصِ.

فصل: فإن كان الشُّفَعاءُ غائِبينَ، لم تَسْقُط الشُّفْعةُ؛ لِمَوْضِعِ العُذْرِ. فإذا قَدِمَ أحَدُهم، فليس له أن يَأْخُذُ إلَّا الكلَّ، أو يَتْرُكَ؛ لأنَّا لا نَعْلَمُ اليومَ مُطَالِبًا سِواهُ، ولأنَّ في أخْذِه البعضَ (١) تَبْعِيضًا لِصَفْقةِ المُشْتَرِى، فلم يَجُزْ ذلك، كما لو [لم يكُنْ] (٢) معه غيرُه، ولا يُمْكِنُ تَأْخِيرُ حَقِّه إلى أن يَقْدَمَ شُرَكاؤُه؛ لأنَّ في التَّأْخِيرِ إضْرَارًا بالمُشْتَرِى. فإذا أخَذَ الجَمِيعَ، ثم حَضَرَ آخَرُ، قاسَمَه إن شاءَ أو عَفَا، فيَبْقَى للأَوَّلِ؛ لأنَّ المُطَالَبةَ إنَّما وُجِدَتْ منهما. فإن قاسَمَه، ثم حَضَرَ الثالِثُ، قاسَمَهُما إن أحَبَّ أو عَفَا فيَبْقَى للأَوّلَيْنِ، فإن نَمَا الشِّقْصُ في يَدِ الأَوَّلِ نَماءً مُنْفَصِلًا، لم يُشَارِكْه فيه واحدٌ منهما؛ لأنَّه انْفَصَلَ في [مِلْكِه، فأشْبَهَ ما لو انْفَصَلَ في] (٣) يَدِ المُشْتَرِى قبلَ الأخْذِ بالشُّفْعةِ. وكذلك إذا أخَذَ الثاني، فنما في يَدِه نَماءً مُنْفَصِلًا، لم يُشَارِكْه الثالثُ فيه. وإن خَرَجَ الشِّقْصُ مُسْتَحَقًّا، فالعُهْدَةُ على المُشْتَرِى، يَرْجِعُ الثلاثةُ عليه، ولا يَرْجِعُ أحَدُهُم على الآخَرِ؛ فإنَّ الأخْذَ وإن كان من الأولِ، فهو بمَنْزِلَةِ النائبِ عن المُشْتَرِى في الدَّفْعِ إليهما، والنائِبِ عنهما في دَفْعِ الثَّمَنِ إليه، لأنَّ الشُّفْعةَ مُسْتَحَقَّةٌ عليه لهم. وهذا ظاهِرُ مذهبِ


(١) في الأصل: "للبعض".
(٢) في ب: "كان".
(٣) سقط من: م.

<<  <  ج: ص:  >  >>