للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٥٨٧ - مسألة؛ قال: (ولَا يَدَّهِنُ بِمَا فِيهِ طِيبٌ، ومَالَا طِيبَ فِيه)

أمَّا المُطيَّبُ من الأدْهَانِ، كدُهْنِ الوَرْدِ والبَنَفْسَجِ والزَّنْبَقِ والخِيرِىِّ واللَّيْنُوفَر (١)، فليسَ فى تَحْرِيمِ الادِّهانِ به خِلافٌ فى المذهبِ. وهو قَوْلُ الأوْزَاعِىِّ. وكَرِهَ مَالِكٌ، وأبو ثَوْرٍ، وأصْحَابُ الرَّأىِ، الادِّهَانَ بِدُهْنِ البَنَفْسَجِ. وقال الشَّافِعِىُّ: ليسَ بِطِيبٍ. ولَنا، أنَّه يُتَّخَذُ لِلطِّيبِ، وتُقْصَدُ رَائِحَتُه، فكان طِيبًا، كماءِ الوَرْدِ. فأمَّا ما لا طِيبَ فيه، كالزَّيْتِ والشَّيْرَجِ والسَّمْنِ والشَّحْمِ وَدُهْنِ البَانِ (٢) السَّاذَجِ، فنَقَلَ الأثْرَمُ، قال: سمعتُ أبا عبدِ اللهِ يُسْأَلُ عن المُحْرِمِ يَدَّهِنُ بِالزَّيْتِ والشَّيْرَجِ؟ فقال: نعم، يَدَّهِنُ به إذا احْتَاجَ إليه. ويَتَدَاوَى المُحْرِمُ بما يَأْكُلُ. قال ابنُ المُنْذِرِ: أجْمَعَ عَوَامُّ أهْلِ العِلْمِ، على أنَّ لِلْمُحْرِمِ أن يَدْهُنَ بَدَنَه بِالشَّحْمِ والزَّيْتِ والسَّمْنِ. ونَقَلَ الأثْرَمُ جَوَازَ ذلك عن ابنِ عَبّاسٍ، وأبِى ذَرٍّ، والأسْوَدِ بن يَزِيدَ، وعَطاءٍ، والضَّحَّاكِ، وغيرِهم. ونَقَلَ أبو دَاوُدَ، عن أحمدَ، أنَّه قال: الزَّيْتُ الذى يُؤْكَلُ لا يَدْهُنُ المُحْرِمُ به رَأْسَهُ. فظاهِرُ هذا، أنَّه لا يَدْهُنُ رَأْسَه بِشىءٍ من الأدْهانِ. وهو قولُ عَطاءٍ، ومالِكٍ، والشَّافِعِىِّ، وأبِى ثَوْرٍ، وأصْحابِ الرَّأْىِ؛ لأنَّه يُزِيلُ الشَّعَثَ، ويُسَكِّنُ الشَّعْرَ. فأمَّا دَهْنُ سَائِرِ البَدَنِ، فلا نَعْلَمُ عن أحمدَ فيه مَنْعًا. وقد ذَكَرْنَا إجْماعَ أهْلِ العِلْمِ على إبَاحَتِه فى البَدَنِ (٣). وإنَّما الكَرَاهَةُ فى الرَّأْسِ خَاصَّةً؛ لأنَّه مَحَلُّ الشَّعْرِ. وقال القاضى: فى إبَاحَتِه فى جَمِيعِ البَدَنِ رِوَايَتَانِ؛ فإن فَعَلَه فلا فِدْيَةَ فيه، فى ظَاهِرِ كلامِ أحمدَ، سواءٌ دَهَنَ رَأْسَه أو غيرَه، إلَّا أن يكونَ مُطَيَّبًا. وقد رُوِىَ عن ابنِ عمرَ أنَّه صُدِعَ وهو مُحْرِمٌ، فقالوا: ألا نَدْهُنُكَ بِالسَّمْنِ؟ قال: لا. قالوا: أليس تَأْكُلُه؟ قال: ليسَ أَكْلُه كالادِّهَانِ به. وعن مُجاهِدٍ، قال: إنْ تَدَاوَى به فعليه الكَفَّارَةُ. وقال الذين مَنَعُوا


(١) اللينوفر: ضرب من النبات، ينبت فى المياه الراكدة، تظهر أوراقه وزهره على سطح الماء.
(٢) البان: شجر لحب ثمره دهن طيب.
(٣) فى الأصل، ب، م: "اليدين".

<<  <  ج: ص:  >  >>