للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

به بعدَ ذلك، ويُفارِقُ العَتاقُ الطَّلاقَ، من حيثُ إِنَّ النِّكاحَ الثانىَ يَنْبَنِى على النِّكاحِ الأوَّلِ؛ بدليلِ أَنَّ طَلَاقَه فى النِّكاحِ الأوَّلِ يُحْسَبُ عليه فى النِّكاحِ الثانى، ويَنْقُصُ به عَدَدُ طَلَاقِه، والمِلْكُ باليَمِينِ بخِلَافِه.

فصل: وإذا قال لعبدٍ له مُقَيَّدٍ: هو حُرٌّ إِنْ حَلَّ قَيْدَه. ثم قال: هو حُرٌّ إن لم يكُنْ فى قَيْدِه عَشرةُ أرْطالٍ. فشَهِدَ شاهدانِ عندَ الحاكمِ، أَنَّ وَزْنَ قَيْدِه خَمْسةُ أرْطالٍ، فحَكَمَ بعِتْقِه، وأمَرَ بحَلِّ قَيْدِه، فوُزِنَ (١٥) فوُجِدَ وَزْنُه عشرةَ أرْطالٍ، عَتَقَ العبدُ بحَلِّ قَيْدِه، وتَبَيَّنَّا أنَّه ما عَتقَ بالشَّرْطِ الذى حَكَمَ الحاكمُ بعِتْقِه به. وهل يَلْزَمُ الشاهِدَينِ ضَمانُ (١٦) قِيمَتِه؟ فيه وَجْهان؛ أحدهما، أنَّه يَلْزَمُهُما ضَمانُها؛ لأنَّ شهادَتَهما الكاذِبةَ سَبَبُ عِتْقِه وإتْلافِه، فضَمِناه، كالشّهادةِ المَرْجُوعِ عنها، ولأنَّ عِتْقَه حَصَلَ بحُكْمِ الحاكمِ المَبْنِىِّ على الشَّهادةِ الكاذِبةِ، فأشْبَهَ الحكمَ بالشَّهادةِ التى يَرْجِعانِ عنها. وهذا قولُ أبى حنيفةَ. والثانى، لا ضَمانَ عليهما (١٧)، وهو قولُ أبى يوسفَ، ومحمدٍ؛ لأنَّ عِتْقَه لم يَحْصُلْ بالحُكْمِ المَبْنِىِّ على شهادَتِهِما، وإنَّما حَصَلَ بحَلِّ قَيْدِه، ولم يَشْهَدَا به، فوَجَبَ أَنْ لا يَضْمَنَا، كما لو لم يَحْكُمِ الحاكمُ.

فصل: وإن قال لعبدِه: أنتَ حُرٌّ متى شِئْتَ. لم يَعْتِقْ حتى يشاءَ بالقَوْلِ، فمتى شاء عَتَقَ، سواءٌ كان على الفَوْرِ أو التَّراخِى. وإن قال: أنتَ حُرٌّ إِنْ شِئْتَ. فكذلك. ويَحْتَمِلُ أن يَقفَ ذلك على المَجْلِسِ؛ لأنَّ ذلك بمَنْزِلةِ التَّخْييرِ، ولو قال لِامْرأتِه: اخْتارِى نَفْسَكِ. لم يكُنْ لها الاخْتِيارُ إِلَّا على الفَوْرِ، فإنْ تَرَاخَى ذلك، بَطَلَ خِيارُها، كذا تَعْلِيقُه بالمَشِيئَةِ من غيرِ أن يَقْرِنَه بزَمَن يَدُلُّ على التَّراخِى. وإن قال: أنتَ حُرٌّ كيف شِئْتَ. احْتَمَلَ أن يَعْتِقَ فى الحالِ. وهو قولُ أبى حنيفةَ؛ لأنَّ "كيف" لا تَقْتَضِى شَرْطًا ولا وَقْتًا ولا مَكانًا، فلا تَقْتَضِى تَوْقِيفَ العِتْقِ، وإنَّما هى صِفَةٌ للحالِ (١٨)، فتَقْتَضِى وُقُوعَ الحُرِّيَّةِ


(١٥) سقط من: ب.
(١٦) فى الأصل زيادة: "عتق".
(١٧) فى ب، م: "عليها".
(١٨) فى الأصل: "الحال".

<<  <  ج: ص:  >  >>