من بائِعِها، كما لو باعَها بمثلِ ثَمَنِها. ولَنا، ما رَوَى غُنْدَرٌ، عن شُعْبَةَ، عن أبي إسْحاقَ السَّبِيعِيِّ، عن امْرَأَتِه العَالِيَة بنتِ أَيْفَعَ بن شُرَحبِيل، أنَّها قالتْ: دَخَلْتُ أنا وأُمُّ وَلَدِ زَيْدِ بن أرْقَمَ وامْرَأتُه على عَائِشَةَ، رضِىَ اللَّه عنها، فقالَتْ أُمُّ وَلَدِ زَيْدِ ابنِ أرْقَمَ: إنِّي بِعْتُ غُلامًا من زَيْدِ بنِ أرْقَمَ بِثَمانِمائَةِ درهم إلى العَطاءِ، ثم اشْتَرَيْتُه منه بِسِتِّمائة درهم، فقالت لها: بِئْسَ ما شَرَيْتِ، وبِئْسَ ما اشْتَرَيْتِ، أبْلِغِى زَيْدَ بنَ أرْقَمَ: أنَّه قد أَبْطَلَ جِهَادَهُ مع رسولِ اللَّه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، إلَّا أنْ يَتُوبَ. رواه الإِمامُ أحْمَدُ (٣)، وسَعِيدُ بن مَنْصُورٍ. والظَّاهِرُ، أنَّها لا تقول مثلَ هذا التَّغْلِيظِ، وتُقْدِمُ عليه، إلَّا بِتَوْقِيفٍ سَمِعَتْهُ من رسولِ اللَّه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فجَرَى مجْرَى رِوايَتِها ذلك عنه، ولأنَّ ذلك ذَرِيعَةٌ إلى الرِّبا، فإنَّه يُدْخِلُ السِّلْعَةَ، لِيَسْتَبِيحَ بَيْعَ ألْفٍ بخمْسِمائةٍ إلى أجَلٍ مَعْلُومٍ. وكذلك رُوِىَ عن ابنِ عَبَّاسٍ في مثلِ هذه المسْأَلَةِ أنَّه قال: أرى مائةً بخَمسينَ بينهما حَرِيرَةٌ. يَعْنِى خِرْقَةَ حَرِيرٍ جَعَلَاها في بَيْعِهِما. والذَّرَائِعُ مُعْتَبَرةٌ لما قَدَّمْنَاه، فأمَّا بَيْعُها بمثلِ الثَّمَنِ، أو أكْثَرَ، فيجوزُ؛ لأنَّه لا يكونُ ذَرِيعَةً. وهذا إذا كانتِ السِّلْعَةُ لم تَنْقُصْ عن حالةِ البَيْعِ، فإن نَقَصَتْ، مثلُ أن هَزَلَ العبدُ، أو نَسِىَ صِناعَةً، أو تَخَرَّقَ الثَّوْبُ، أو بَلِىَ جازَ له شِراؤُها بما شاءَ؛ لأنَّ نَقْصَ الثَّمنِ لِنَقْصِ المَبِيعِ، لا للتَّوَسُّلِ إلى الرِّبَا. وإن نَقَصَ سِعْرُها، أو زادَ لذلك، أو لمعنًى حَدَثَ فيها، لم يَجُزْ بَيْعُها بأقَلَّ من ثَمَنِها، كما لو كانتْ بحالِها. نَصَّ أحمدُ على هذا كلِّه.
فصل: وإن اشْتَرَاها بِعَرْضٍ، أو كان بَيْعُها الأولُ بِعَرْضٍ، فاشْتَرَاها بِنَقْدٍ، جَازَ. وبه قال أبو حنيفةَ. ولا نَعْلَمُ فيه خِلَافًا؛ لأنَّ التَّحْرِيمَ إنَّما كان لِشُبْهَةِ الرِّبا،
(٣) وأخرجه البيهقي، في: باب الرجل بيع الشىء إلى أجل. . .إلخ، من كتاب البيوع. السنن الكبرى ٥/ ٣٣٠، ٣٣١. وعبد الرزاق، في: باب الرجل يبيع السلعة. . .إلخ، من كتاب البيوع. المصنف ٨/ ١٨٤، ١٨٥.