للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليه، وأمرَه ففارَقَها. وفى روايةِ، فقال له: "اقْبَلِ الْحَدِيْقَةَ، وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً". وبهذا قال جميعُ الفقهاءِ بالحجازِ والشَّامِ. قال ابنُ عبدِ البَرِّ: ولا نعلمُ أحدًا خالفَه، إلَّا بكرَ ابنَ عبدِ اللَّهِ المُزَنِىِّ؛ فإنَّه لم يُجِزْه، وزَعَمَ أَنَّ آيةَ الخُلْعِ مَنْسوخةٌ بقوله سبحانه: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ} (٧). الآية. ورُوِىَ عن ابن سِيرينَ، وأبى قِلَابَةَ، أنَّه لا يَحِلُّ الخُلْعُ حتى يجدَ على بَطْنِها رَجُلًا؛ لقولِ اللَّهِ تعالى: {وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} (٨). ولَنا، الآيةُ التى تلَوْناها، والخبرُ، وأنَّه قولُ عمرَ وعثمانَ وعلىٍّ (٩) وغيرِهم من الصحابةِ، لم نَعْرفْ لهم فى عصرِهم مُخالِفًا، فيكونُ إجماعًا، ودَعْوَى النَّسْخِ لا تُسْمَعُ حتى يثبُتَ تَعذرُ الجمعِ، وأنَّ الآيةَ النَّاسخةَ مُتأخِّرةٌ، ولم يثبُتْ شىءٌ مِن ذلك. إذا ثبَتَ هذا، فإنَّ هذا يُسَمَّى خُلْعا؛ لأنَّ (١٠) المرأةَ تَنْخَلِعُ مِن لباسِ زوجها. قال اللَّه تعالى: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} (١١). ويُسَمَّى افْتِداءً؛ لأَنَّها تَفْتدِى نفسَها بمالٍ تَبذُلُه. قال اللَّهُ تعالى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ}.

فصل: ولا يفْتِقرُ الخُلْعُ إلى حاكمٍ. نَصَّ عليه أحمدُ، فقال: يجوزُ الخُلعُ دونَ السُّلطانِ. ورَوى البُخارِىُّ (١٢) ذلك عن عمرَ، وعثمانَ، رَضِىَ اللَّهُ عنهما. وبه قال شُرَيْحٌ، والزُّهْرِىُّ، ومَالِكٌ، والشَّافعىُّ، وإسحاقُ، وأهلُ الرَّأْىِ. وعن الحسنِ، وابن سيرينَ: لا يجوزُ إلَّا عندَ السُّلطانِ. ولَنا، قولُ عمرَ وعثمانَ، ولأنَّه مُعَاوَضَةٌ، فلم


(٧) سورة النساء ٢٠.
(٨) سورة النساء ١٩.
(٩) أخرج عبد الرزاق قول عمر وعثمان، فى: باب الخلع دون السلطان، من كتاب الطلاق وقول على، فى: باب ما يحل من الفداء، من كتاب الطلاق. المصنف ٦/ ٤٩٤، ٤٩٥، ٤٩٧.
كما أخرج ابن أبى شيبة قول عمر وعثمان، فى: باب ما قالوا فى الخلع يكون دون السلطان، من كتاب الطلاق. المصنف ٥/ ١١٦.
(١٠) فى الأصل: "فإن".
(١١) سورة البقرة ١٨٧.
(١٢) فى: باب الخلع، من كتاب النكاح. صحيح البخارى ٧/ ٦٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>