للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَضِيَ اللهُ عنه, قاتلَ أهلَ الرِّدَّةِ بجماعةِ الصَّحابةِ، ولأنَّ اللهَ تعالى قد أمرَ بقتالِ الكُفَّارِ في مواضِعَ من كتابِه، وهؤلاء أحَقُّهم بالقتالِ؛ لأنَّ تركَهم رُبَّما أغْرَى أمْثالَهم بالتَّشَبُّهِ بهم، والارْتدَادِ معهم، فيَكْثُرُ الضَّرَرُ بهم. وإذا قاتلَهم، قَتَلَ من قَدَرَ عليه، ويُتبَعُ مُدْبِرُهم، ويُجَازُ على جَرِيحِهم، وتُغْنَمُ أمْوالُهم. وبهذا قال الشَّافِعِىُّ. وقال أبو حنيفةَ: لا تَصِيرُ دارَ حربٍ حتى تَجْمَعَ فيها ثلاثةَ أشياء؛ أن تكونَ مُتاخِمَةً لدارِ الحربِ، لا شىءَ بينهما من دارِ الإِسلامِ. الثاني، أن لا يَبْقَى فيها مُسْلِمٌ ولا ذِمِّىُّ آمِنٌ. الثالث، أن تَجْرِىَ فيها أحكامُهم. ولَنا، أنَّها دارُ كُفَّارٍ، فيها أحكامُهم، فكانتْ دارَ حربٍ، كما لو اجْتَمعَ فيها هذه الخِصالُ، أو دارَ الكَفَرَةِ الأصْلِيِّين.

فصل: وإنْ قتَلَ المُرْتَدُّ مَنْ يُكافئُه عَمْدًا، فعليه القِصَاصُ. نَصَّ عليه أحمد. والوَلِىُّ مُخيَّرٌ بين قَتْلِهِ والعَفْوِ عنه، فإن اخْتارَ القِصاصَ، قُدِّمَ على قتلِ الرِّدَّة، سواءٌ تقدَّمتِ الرِّدَّةُ أو تأَخَّرتْ؛ لأنَّه حقُّ آدَمِىٍّ، وإن عفَا على مالٍ، وجَبَتْ الدِّيَةُ في مالِه. وإن كان القتلُ خطأً، وجَبتِ الدِّيَةُ في مالِه؛ لأنَّه لا عاقلةَ له. قال القاضِى: وتُؤخذُ منه الدِّيَةُ في ثلاثِ سِنِين؛ لأنَّها دِيَةُ الخطإِ، فإن قُتِلَ أو ماتَ، أُخِذَتْ من مالِه في الحالِ؛ لأنَّ الدَّيْنَ المُؤَجَّلَ يَحِلُّ بالموتِ في حَقِّ مَن لا وارثَ له. ويحْتَمِلُ أن تجبَ الدِّيَةُ عليه حالَّةً؛ لأنَّها إنَّما أُجِّلَتْ في حَقِّ العاقِلَةِ تخفيفًا عليهم، لأنَّهم يَحْمِلونَ عن غيرِهم على سبيلِ المُواساةِ، فأمَّا الجانِى، فتجبُ عليه حالَّةً؛ لأنَّها بدلٌ عن مُتْلَفٍ، فكانت حَالَّةً، كسائرِ أبْدالِ المُتْلَفاتِ.

١٥٤٧ - مسألة؛ قال: (وَمَنْ أسْلَمَ مِنَ الْأَبَوَيْنِ، كَانَ أوْلَادُهُ الْأَصَاغِرُ تَبَعًا لَهُ).

وبهذا قال الشافِعِىُّ. وقال أصحابُ الرَّأْىِ: إذا أسْلَمَ أبَواه أو أحدُهما، وأدركَ فأبَى الإِسلامَ، أُجْبِرَ عليه، ولم يُقْتَلْ. وقال مالِكٌ: إنْ أسلَمَ الأبُ، تَبِعَهُ أولادُه، وإن أسْلَمَتِ الأُمُّ لم يَتْبَعُوها؛ لأنَّ وَلدَ الحَرْبِيَّيْن (١) يتْبَعُ أباه دُونَ أُمِّه، بدليلِ الْمَوْلَيَيْن إذا كانَ


(١) في الأصل: "الحربي".

<<  <  ج: ص:  >  >>