للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَقَعُ لِلْمُوَكِّل، ولأنَّ المُوَكِّلَ ليس بأهْلٍ لِشِرائِه، فلم يَصِحَّ أنْ يَشْتَرِىَ له، كما لو وَكَّلَ مُسْلِمٌ ذِمِّيًّا فى شِراءِ خَمرٍ. وإن وَكَّلَ المُسْلِمُ كافِرًا يَشْتَرِى له مُسْلِمًا (٣١)، فَاشْتَراه، ففيه وَجْهَانِ؛ أحدُهما، يَصِحُّ، لأنَّ المَنْعَ منه إنَّما كان لِمَا فيه من ثُبُوتِ مِلْكِ الكافِرِ على المُسْلِمِ، والمِلْكُ يَثْبُتُ للمُسْلِمِ هاهنا، فلم يَتَحَقَّقِ المانِعُ. والثّانى، لا يَصِحُّ؛ لأنَّ ما مُنِعَ مِن شِرائِه مُنِعَ التَّوْكِيلُ فيه، كالمُحْرِمِ فى شراءِ الصَّيْدِ، والكافِرِ فى نِكاحِ المُسْلِمَةِ، والمُسْلِمُ لا يجوزُ أنْ يكونَ وَكِيلًا لذِمِّىٍّ فى شراءِ خَمْرٍ.

فصل: وإنِ اشْتَرَى الكافِرُ مُسْلِمًا يَعْتِقُ عليه بالقَرابَةِ، كأبِيه وأخِيه، صَحَّ الشِّراءُ، وعَتَقَ عليه، فى قَوْلِ بعضِ أصحابِنا. وحَكَى فيه أبو الخَطَّابِ رِوايَتَيْنِ، إحْداهما، لا يَصِحُّ. وهو قولُ بعضِ الأصحابِ؛ لأنَّه شِراءٌ يَمْلِكُ به المُسْلِمَ، فلم يَصِحَّ، كالذى لا يَعْتِقُ عليه. ولأنَّ ما مُنِعَ مِن شرائِه، لم يُبَحْ له شراؤُه وإنْ زالَ مِلْكُه عَقِيبَ الشِّراءِ، كشراءِ المُحْرِمِ الصَّيْدَ. والثّانيةَ، يَصِحُّ شراؤه؛ لأنَّ المَنْعَ إنَّما ثَبَتَ لِما فيه مِن إهانَةِ المُسْلِمِ بمِلْكِ الكافِرِ له، والمِلْكُ هاهنا يَزُولُ عَقِيبَ الشِّراءِ بالكُلِّيَّةِ، ويَحْصُلُ مِن نَفْعِ الحُرِّيَّةِ أضعافُ ما حَصَلَ مِن الإهانَةِ بالمِلْكِ فى لَحْظَةٍ يَسِيرَةٍ. ويُفارِقُ مَن لا يَعْتِقُ عليه؛ فإنَّ مِلْكَه لا يَزُولُ إلّا بإزالَتِه، وكذلك شراءُ المُحْرِمِ للصَّيْدِ، فإنَّه لو مَلَكه، لثَبَتَ مِلْكُه عليه، ولم يَزُلْ. ولو قال كافِرٌ لمُسْلِمٍ: أعْتِقْ عَبْدَك عَنِّى، وعَلَىَّ ثَمَنُه. ففَعَلَ، صَحَّ؛ لأنَّ إعتاقَه ليس بتَمْلِيكٍ، وإنَّما هو إبطالٌ للرِّقِّ فيه، وإنّما حَصَلَ المِلْكُ فيه حُكْمًا (٣٢)، فجازَ، كما يَمْلِكُه بالإرْثِ حُكْمًا. ولأنَّ ما يَحْصُلُ له بالحُرِّيَّةِ مِن النَّفْعِ يَنْغَمِرُ فيه ما يَحْصُلُ مِن الضَّرَرِ بالمِلْكِ، فيَصِيرُ كالمَعْدُومِ. وفيه وَجْهٌ آخَرُ؛ أنَّه لا يَصِحُّ؛ بِناءً على شراءِ قَرِيبِه المُسْلِم.


(٣١) سقط من: م.
(٣٢) سقط من: الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>