للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قُلْنا: إنَّ المَعْدِنَ يُمْلَكُ بِحَفْرِه. أو لم نَقُلْ؛ لأنَّه إن مَلَكَه، فإنَّما يَمْلِكُ المَكانَ الذي حَفَرَه، وأمَّا العِرْقُ الذي في الأرْضِ فلا يَمْلِكُه بذلك. ومَنْ وَصَلَ إليه من جِهَةٍ أخرى، فله أخْذُه. ولو ظَهَرَ في مِلْكِه مَعْدِنٌ، بحيثُ يَخْرُجُ النَّيْلُ عن أرْضِه، فحَفَرَ إنْسانٌ من خارِجِ أرْضِه، كان له أن يَأْخُذَ ما خَرَج عن أرْضِه منه؛ لأنَّه لم يَمْلِكْه، إنَّما مَلَكَ ما هو من أجْزاءِ أرْضِه، وليس لأحَدٍ أن يَأْخُذَ ما كان داخِلًا في أرْضِه منَ أجْزَاءِ الأرْضِ الباطِنَةِ، كما لا يَمْلِكُ أخْذَ أجْزَائِها الظاهِرَةِ. ولو حَفَرَ كافِرٌ في دارِ الحَرْبِ مَعْدِنًا، فوَصَلَ إلى النَّيْلِ، ثم فَتَحَها المسلمون عَنْوةً، لم تَصِرْ غَنِيمَةً، وكان وُجُودُ عَمَلِه وعَدَمُه واحِدًا؛ لأنَّ عامِرَه لم يَمْلِكْهُ بذلك، ولو مَلَكَه فإنَّ الأرْضَ كلها تَصِيرُ وَقْفًا لِلمسلمين، وهذا يَنْصَرِفُ إلى مَصْلَحةٍ من مَصَالِحِهم، فتُعَيَّنُ لها، كما لو ظَهَرَ بفِعْلِ اللهِ تعالى.

فصل: ولو كان في المَوَاتِ مَوْضِعٌ يُمْكِنُ أن يَحْدُثَ فيه مَعْدِنًا ظَاهِرًا، كمَوْضِعٍ على شاطئِ (١٩) البَحْرِ، إذا صارَ (٢٠) فيه ماءُ البَحْرِ صارَ مِلْحَا، مُلِكَ بالإِحياءِ، وجازَ للإمَامِ إقْطَاعُه؛ لأنَّه لا يُضَيِّقُ على المسلمين بإحْدَاثِه، بل يَحْدُثُ نَفْعُه بِفِعْلِه، فلم يُمْنَعْ منه، كبَقِيَّةِ المَوَاتِ، وإحْيَاءُ هذا بِتَهْيِئَتِه لما يَصْلُحُ له، من حَفْرِ تُرَابِه، وتَمْهِيدِه، وفَتْحِ قَنَاةٍ إليه تَصُبُّ الماءَ فيه؛ لأنَّه يَتَهَيَّأُ بهذا الانْتِفَاعُ به.

فصل: ومَنْ مَلَكَ مَعْدِنًا، فعَمِلَ فيه غيرُه بغيرِ إذْنِه، فما حَصَلَ منه فهو لِمَالِكِه، ولا أجْرَ لِلغاصِبِ على عَمَلِه؛ لأنَّه عَمِلَ في مِلْكِ غيرِه بغيرِ إذْنِه، أشْبَهَ ما لو حَصَدَ زَرْعَ غيرِه [بغير إذْنِه] (٢١). وإن قال مالِكُه: اعْمَلْ فيه، ولك ما يَخْرُجُ منه. فله ذلك، ولا شىءَ لِصَاحِبِ المَعْدِنِ فيه؛ لأنَّه إباحَةٌ من مالِكِه، فمَلَكَ ما أخَذَه، كما لو أباحَهُ الأخْذَ من دارِه أو بُسْتَانِه. وإن قال: اعْمَلْ فيه، على أنَّ ما رَزَقَ اللهُ من نَيْلٍ


(١٩) في الأصل: "شط".
(٢٠) في الأصل: "حصل".
(٢١) سقط من: ب، م.

<<  <  ج: ص:  >  >>