بِوُجُوبِ المُوَالَاةِ، اسْتَأْنَفَ التَّيَمُّمَ، لِتَحْصُلَ المُوَالَاةُ. ويُرْجَعُ في طُولِ الفَصْلِ وقِصَرِهِ إلى القَدْرِ الذي ذكرْنَاهُ في الطهارة؛ لأنَّ التَّيَمُّمَ فَرْعٌ عليها. والحُكْمُ في التَّسْمِيَةِ كالحُكْمِ في التَّسْمِيَةِ في الوُضُوءِ، على ما مَضَى مِن الخِلافِ فيه؛ لأَنَّهُ بَدَلٌ منه.
فصل: ويَجِبُ مَسْحُ اليَدَيْنِ إلى المَوْضِعِ الذي يُقْطَعُ منه السَّارِقُ، أومَأَ أحمدُ إلى هذا لَمَّا سُئِلَ عَن التَّيَمُّمِ، فأَوْمَأَ إلى كَفِّه ولم يُجَاوِزْهُ، وقال: قال اللهُ تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا}(٦). مِنْ أيْنَ تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ؟ أليس مِنْ ههُنا؟ وأشار إلى الرُّسْغِ. وقد رَوَيْنا عن ابنِ عَبَّاس نَحْوَ هذا، فعلى هذا، إنْ كان أقْطعَ مِنْ فوقِ الرُّسْغِ سَقَطَ مَسْحُ اليَدَيْنِ، وإنْ كان مِنْ دُونِه مَسَحَ ما بَقِىَ، وإنْ كان مِنَ المَفْصِلِ، فقال ابنُ عَقِيل: يَمْسَحُ مَوْضِعَ القَطْعِ. قال: ونَصَّ عليه أحمدُ؛ لأنَّ الرُّسْغَيْنِ في التَّيَمُّمِ كالمِرْفَقَيْنِ في الوُضُوءِ، فكما أَنَّه إذا قُطِعَ مِنَ المِرْفَقَيْنِ في الوُضُوءِ، غَسَلَ ما بَقِىَ، كذا ههُنا يَمْسَحُ العَظْمَ الباقِىَ. وقال القاضي: يَسْقُطُ الفَرْضُ؛ لأنَّ مَحَلَّه الكَفُّ الذِى يُؤْخَذُ في السَّرِقَةِ، وقد ذَهَبَ، لكنْ يُسْتَحَبُّ إمْرَارُ التُّرَابِ عليه. ومَسْحُ العَظْمِ الباقِى مع بَقَاءِ الكَفِّ إنَّما كان ضَرُورَةَ اسْتِيعَابِ الوَاجِبِ؛ لأنَّ الوَاجِبَ لا يَتِمُّ إِلَّا به، فإذا زَالَ الأصْلُ المَأْمُورُ به، سَقَطَ ما وَجَبَ لِضَرُورَتِه، كمنْ سَقَطَ عنه غَسْلُ الوَجْهِ، لا يَجِبُ عليه غَسْلُ جُزْءٍ مِن الرَّأْسِ، ومَنْ سَقَطَ عنه الصِّيَامُ، لا يَجِبُ عليه إمْسَاكُ جُزْءٍ مِن اللَّيْلِ. وإن أَوْصَلَ التُّرَابَ إلى مَحَلِّ الفَرْضِ بخِرقَةٍ أو خَشَبَةٍ، فقال القاضي: يُجْزِئُه؛ لأنَّ اللَّه تعالى أَمَرَ بالمَسْحِ، ولم يُعَيِّنْ آلَتَه، فلا يَتَعَيَّنُ. وقال ابنُ عَقِيلٍ: فيه وَجْهَان، بِناءً على مَسْحِ الرَّأْسِ بِخِرْقَةٍ رَطْبَةٍ. وإنْ مَسَحَ مَحَلَّ الفَرْضِ بِيَدٍ وَاحِدَةٍ، أو بِبَعْضِ يَدِهِ، أجْزَأهُ، إذْ كانَتْ يَدُهُ أَقْرَبَ إليه مِنْ غيرها. وإنْ يَمَّمَهُ غَيْرُه جَازَ، كما لو وَضَّأَهُ غيرُه، تُعْتَبَرُ النِّيَّةُ في المُتَيَمِّمِ دُونَ المُيَمِّمِ؛ لأنَّه الذي يَتَعَلَّقُ الإِجْزَاءُ والمَنْعُ به.