للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من الاتِّفاقِ على تَقْدِيرِ أجْرِه، والرِّضَى بِبَذْلِه به، جَرَى مَجْرَى ابْتِدَاءِ العَقْدِ عليه، وصارَ كالبَيْعِ بالمُعاطَاةِ، إذا جَرَى من المُسَاوَمَةِ ما دَلَّ على التَّرَاضِى بها. فعلى هذا، متى تَرَكَ التَّلَبُّسَ به في شَهْرٍ، لم تَثبُتِ الإِجَارَةُ فيه؛ لِعَدَمِ العَقْدِ. وإن فَسَخَ، فكذلك، وليس بِفَسْخٍ في الحَقِيقَةِ؛ لأنَّ العَقْدَ في الشَّهْرِ الثاني ما ثَبَتَ (١١). فأمَّا أبو حنِيفةَ، فذَهَبَ إلى أنَّهما إذا تَلَبَّسَا بالشَّهْرِ الثاني، فقد اتَّصَلَ القَبْضُ بالعَقْدِ الفاسِدِ. وهو عُذْرٌ غيرُ صَحِيحٍ؛ لأنَّ العَقْدَ الفاسِدَ في الأعْيانِ لا يَلزَمُ بالقَبْضِ، ولا يُضْمَنُ بالمُسَمَّى، ثم لم يَحْصُلِ القَبْضُ ههُنا إلَّا فيما اسْتَوْفاه. وقولُ مالكٍ لا يَصِحُّ؛ لأنَّ الإِجَارَةَ من العُقُودِ اللَّازِمَةِ، فلا يجوزُ أن تكونَ جائِزَةً.

فصل: إذا قال: أجَرْتُكَ دَارِى عِشْرِينَ شَهْرًا، كلَّ شَهْرٍ بدِرْهَمٍ. جازَ، بغيرِ خِلَافٍ نَعْلَمُه؛ لأنَّ المُدَّةَ مَعْلُومةٌ، وأجْرَها مَعْلُومٌ، وليس لواحدٍ منهما فَسْخٌ بحالٍ؛ لأنَّها مُدَّةٌ واحِدةٌ، فأشْبَهَ ما لو قال: آجَرْتُكَ عِشْرِينَ شَهْرًا، بِعِشْرِينَ دِرْهَمًا. وإن قال: أجَرْتُكَها شَهْرًا بِدِرْهَمٍ، وما زادَ فبِحِسَابِ ذلك. صَحَّ في الشَّهْرِ الأوَّلِ، لأنَّه أفْرَدَهُ بالعَقْدِ، وبَطَلَ في الزّائِدِ؛ لأنَّه مَجْهُولٌ. ويحتمل أن يَصِحَّ في كلِّ شَهْرٍ تَلَبَّسَ به، كما لو قال: أجَرْتُكَها كلَّ شَهْرٍ بِدِرْهَمٍ. [لأنَّ مَعْنَاهُما واحدٌ. ولو قال: أجَرْتُكَها هذا الشَّهْر بِدِرْهَمٍ] (١٢). وكلَّ شَهْرٍ بعدَ ذلك بِدِرْهَمٍ. أو قال: بِدِرْهَمَيْنِ. صَحَّ في الأوَّلِ، وفيما بعدَه وَجْهانِ.

فصل: والإِجَارَةُ عَقْدٌ لازِمٌ من الطّرفَيْنِ، ليس لواحدٍ منهما فَسْخُها. وبهذا قال مالِكٌ، والشافِعِىُّ، وأصْحابُ الرَّأى؛ وذلك لأنَّها عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ، فكان لازِمًا، كالبَيْعِ، ولأنَّها نَوْعٌ من البَيْعِ، وإنَّما اخْتَصَّتْ باسْمٍ كما اخْتَصَّ الصَّرْفُ والسَّلَمُ باسْمٍ، وسواءٌ كان له عُذْرٌ أو لم يَكُنْ. وبهذا قال مالِكٌ، والشافِعِىُّ، وأبو ثَوْرٍ.


(١١) في الأصل: "يثبت".
(١٢) سقط من: الأصل. نقل نظر.

<<  <  ج: ص:  >  >>