للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

به (١)، وهو السُّكْنَى في الدّارِ إن كانت الإِجَارَةُ على دَارٍ؛ لأنَّه مَجْهُولٌ حالَ العَقْدِ، فإذا تَلَبَّسَ به، تَعَيَّنَ بالدُّخُولِ فيه، فصَحَّ بالعَقْدِ الأوَّلِ، وإن لم يَتَلَبَّسْ به، أو فَسَخَ العَقْدَ عندَ انْقِضَاءِ الأولِ، انْفَسَخَ. وكذلك حُكْمُ كلِّ شَهْرٍ يأتى (٢). وهذا مذهبُ أبى ثَوْرٍ، وأصْحابِ الرَّأْىِ. وحُكِىَ عن مالِكٍ نحوُ هذا، إلَّا أنَّ الإِجَارَةَ لا تكونُ لازِمَةً عندَه؛ لأنَّ المَنافِعَ مُتَقَدّرَةٌ بِتَقْدِيرِ الأجْرِ، فلا يحْتَاجُ إلى ذِكْرِ المُدّةِ إلَّا في اللُّزُومِ. واخْتارَ أبو بكرٍ عبدُ العزيز بن جعفرٍ، وأبو عبدِ اللَّه ابن حامِدٍ، أنَّ العَقْدَ باطِلٌ. وهو قول الثَّوْرِىِّ، والصَّحِيحُ من قَوْلَىِ الشَّافِعِىِّ؛ لأنَّ كلَّ اسْمٍ لِلْعَدَدِ، فإذا لم يُقَدِّرْهُ كان مُبْهَمًا (٣) مَجْهُولًا، فيكونُ فاسِدًا، كما لو قال: أجَرْتُكَ مُدَّةً أو شَهْرًا (٤). وحَمَلَ أبو بكرٍ وابنُ حامدٍ كلامَ أحمدَ في هذا على أنَّ الإِجَارَةَ وَقَعَتْ على أشْهُرٍ (٥) مُعَيَّنةٍ. ووَجْهُ الأَوَّلِ، أن عَلِيًّا رَضِىَ اللهُ عنه، اسْتَقَى لِرَجُلٍ من اليَهُودِ كَلَّ دَلْوٍ بتَمْرَةٍ، وجاءَ به إلى النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَأَكَلَ (٦) منه. قال عَلِىٌّ: كنتُ أدْلُو الدَّلْوَ بتَمْرَةٍ وأشْتَرِطُها جَلْدَةً. وعن رجلٍ من الأنْصارِ أنَّه قال لِيَهُودِىٍّ: أسْقِى نَخْلَكَ؟ قال: نعم، كلُّ دَلْوٍ بِتَمْرَةٍ. واشْتَرَطَ الأنْصَارِىُّ أن لا يَأْخُذَها خَدِرَةً (٧) ولا تَارِزَةً (٨) ولا حَشَفةً (٩)، ولا يَأْخُذَ إلَّا جَلْدَةً. فاسْتَقَى بنحوٍ من صَاعَيْنِ، فجاءَ به إلى النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-. رَوَاهُما ابنُ مَاجَه في "سُنَنِه" (١٠). وهو نَظِيرُ مَسْأَلَتِنا. ولأنَّ شُرُوعَه في كلِّ شَهْرٍ، مع ما تَقَدَّمَ في العَقْدِ


(١) سقط من: الأصل.
(٢) في الأصل: "أتى".
(٣) قى الأصل: "فيها".
(٤) في الأصل: "أشهرا".
(٥) في الأصل زيادة: "معلومة".
(٦) في ب، م: "يأكل".
(٧) الخدرة: التي تقع من النخل قبل نضجها.
(٨) التارزة: اليابسة.
(٩) الحشف: أردأ التمر.
(١٠) الأول تقدم تخريجه في: ٦/ ٢٠٨.
والثانى أخرجه ابن ماجه، في: باب الرجل يستقى كل دلو بتمرة، من كتاب الرهون. سنن ابن ماجه ٢/ ٨١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>