للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولأنَّها مَنْكوحةٌ لهذا الذى قامَتْ له البَيِّنَةُ، فى قولِ بعضِ الأئِمَّةِ، فلم يجُزْ (٢٥) تَزْويجُها لغيرِه، كالمُتزَوِّجةِ بغيرِ وَلِىٍّ. وحكَى أبو الخطَّابِ، عن أحمدَ، رِوَايةً أُخْرَى، مثلَ مذهبِ أبى حنيفةَ، فى أنَّ حُكْمَ الحاكمِ يُزِيلُ الفُسوخَ والعُقودَ. والأوَّلُ هو المذهبُ.

فصل: وإذا اسْتعدَى رجلٌ على رجلٍ إلى الحاكمِ، ففيه روايتان؛ إحْداهما، أنَّه يَلْزمُه أن يُعدِيَه، ويَسْتدْعِىَ خَصْمَه، سَواءٌ عَلِمَ بينهما مُعامَلةً أو لم يَعْلَمْ، وسَواءٌ كان المُسْتَعْدِى ممَّن يُعامِلُ المُسْتَعْدَى عليه أو لا (٢٦) يُعامِلُه، كالفقيرِ يَدَّعِى على ذى ثَرْوةٍ وهَيْئةٍ. نَصَّ على هذا، فى رواية الأثْرَمِ، فى الرجلِ يَستَعْدِى، على الحاكمِ، أنَّه يُحضِرُه ويَسْتَحْلِفُه. وهذا اخْتيارُ أبى بكرٍ، ومذهبُ أبى حنيفةَ، والشَّافعىِّ؛ لأنَّ فى تَرْكِه تَضيِيعًا للحقوقِ، وإقْرارًا للظُّلْمِ، فإنَّه قد ثبَتَ له الحقُّ على مَن هو أرْفعُ منه بغَصْبٍ، أو يَشْترِى منه شيئًا ولا يُوفِّيه، أو يُودِعُه شيئًا، أو يُعيرُه إيَّاه فلا (٢٧) يَرُدُّه، ولا تُعْلَمُ بينهما مُعاملةٌ، فإذا لم يُعْدَ عليه، سَقَطَ حَقُّه، وهذا أعْظَمُ ضَررًا من حُضورِ مجلسِ الحاكمِ، فإنَّه لا نَقِيصةَ فيه، وقد حضرَ عمرُ وأبَىٌّ عند زيدٍ (٢٧)، وحضرَ هو وآخَرُ عند شُرَيحٍ، وحضرَ علىٌّ عند شريحٍ (٢٨)، وحضرَ المنصورُ عند رجلٍ من وَلَدِ طَلْحةَ بنِ عُبيدِ اللهِ. والرِّواية الثانية، لا يَسْتَدْعِيه إلَّا أنْ يعلم بينهما مُعامَلةً، ويتَبيَّنَ أنَّ لِمَا ادَّعاه أصْلًا. رُوىَ ذلك عن علىٍّ، رَضِىَ اللَّه عنه. وهو مذهبُ مالكٍ؛ لأنَّ فى ادِّعائِه على كلِّ أحدٍ تَبْذِيلَ أهلِ المُروءات، وإهانةً لذَوِى الهَيئاتِ، فإنَّه لا يشاءُ أحدٌ أن يُبذِّلَهم عند الحاكمِ إلَّا فَعَلَ، وربَّما فَعَلَ هذا مَن لا حَقَّ له ليفَتْدِىَ المدَّعَى عليه مِن حُضورِه وشَرِّ خَصْمِه بطائفةٍ من


(٢٥) فى الأصل: "يجب".
(٢٦) فى الأصل: "لم".
(٢٧) فى الأصل: "فلم".
(٢٨) انظر ما أخرجه البيهقى، فى: باب إنصاف الخصمين. . .، من كتاب آداب القاضى. السنن الكبرى ١٠/ ١٣٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>