للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شَهِدَا لها بطلاقِ زَوْجِها، وهما يعْلَمانِ [كَذِبِهَا وتَزْوِيرِهَا] (٢٢)، فحكمَ الحاكمُ بطَلاقِها، لحلَّ لها أن تتزوَّجَ، وحَلَّ لأحدِ الشَّاهِدَيْنِ نِكاحُها. واحْتَجَّ بما رُوِىَ عن علىٍّ، رَضِىَ اللهُ عنه، أنَّ رجلًا ادَّعَى على امرأةٍ نِكاحَها، فرفَعَها إلى علىٍّ، رَضِىَ اللهُ عنه، فشَهِدَ له شاهدان بذلك، فقَضَى بينهما بالزَّوْجِيَّةِ، فقالت: واللهِ ما تَزوَّجَنى يا أميرَ المؤمنين، اعْقِدْ بَيْنَنا عَقْدًا حتى أحِلَّ له. فقال: شاهِدَاكِ زوَّجاكِ. فدلَّ على أنَّ النكاحَ ثبَتَ بحُكْمِه. ولأنَّ اللِّعانَ ينْفسِخُ (٢٣) به النِّكاحُ وإن كان أحدُهما كاذبًا، فالحُكْمُ أوْلَى. ولَنا، قولُ النَّبِىِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وإنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَىَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ يَكُونُ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، فَأَقْضِىَ لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ مِنْهُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِشَىْءٍ مِنْ حقِّ أَخِيهِ، فَلَا يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا، فَإِنَّمَا أقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ". مُتَّفَقٌ عليه (٢٤). وهذا يَدْخُلُ فيه ما إذا ادَّعَى أنَّه اشْترَى منه شيئًا، فحكَمَ له، ولأنَّه حُكْمٌ بشهادةِ زُورٍ، فلا يُحِلُّ له ما كان مُحرَّمًا عليه، كالمالِ المُطْلَقِ. وأمَّا الخبرُ عن علىٍّ إن صحَّ، فلا حُجَّةَ لهم فيه؛ لأنَّهْ أضافَ التَّزويجَ إلى الشاهِدَيْنِ، لا إلى حُكْمِه، ولم يُجِبْها إلى التَّزْويجِ؛ لأنَّ فيه طعنًا على الشُّهودِ. فأمَّا اللِّعانُ، فإنَّما حصَلتِ الفُرْقةُ به، لا بصِدْقِ الزَّوْجِ، ولهذا لو قامتِ البَيِّنَةُ به، لم ينَفْسِخِ النِّكاحُ. إذا ثبتَ هذا، فإذا شَهِدَ على امرأةٍ بنكاحٍ، وحكَمَ به الحاكمُ، ولم تكُنْ زَوجتُه، فإنَّها لا تَحِلُّ له، ويَلْزَمُها فى الظَّاهرِ، وعليها أن تَمْتَنِعَ ما أمْكنَها، فإن أكْرَهَها عليه، فالإثْمُ عليه دُونَها، وإن وطِئَها الرجلُ، فقال أصْحابُنا، وبعضُ الشَّافِعِيَّةِ: عليه الحَدُّ؛ لأنَّه وَطِئَها وهو يعْلَمُ أنَّها أجْنَبِيَّةٌ. وقيل: لا حَدَّ عليه؛ لأنَّه وَطْءٌ مُخْتلَفٌ فى حِلِّه، فيكونُ ذلك شُبْهَةً، وليس لها أن تتزوَّجَ غيرَه. وقال أصْحابُ الشافعىِّ: تَحِلُّ لزَوْجٍ ثانٍ، غيرَ أنَّها مَمْنُوعةٌ منه فى الحُكْمِ. وقال القاضي: يَصِحُّ النِّكاحُ. ولَنا، أنَّ هذا يُفْضِى إلى الجمعِ بين الوَطْءِ للمرأةِ من اثْنَيْنِ، أحدِهما يَطَؤُها بحُكْمِ الظَّاهرِ، والاخَرِ بحُكْمِ الباطنِ. وهذا فسادٌ، فلا يُشْرَعُ،


(٢٢) فى النسخ: "كذبهما وتزويرهما". والمثبت من: الشرح الكبير ٦/ ٢٠٧.
(٢٣) فى الأصل: "يفسخ".
(٢٤) تقدم تخريجه، فى صفحة ٣٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>