للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بصُوَرٍ كَثِيرَةٍ، فيُخَصُّ مِنها مَحَلُّ النِّزاعِ بدَلِيلِنا. وقولُهم: تَمَّ البَيْعُ بشُرُوطِه (٨) وأرْكانِه. قلْنا: لَكِنْ وُجِدَ المَانِعُ منه. إذا ثَبَتَ هذا، فإنّما يَحْرُمُ البَيْعُ ويَبْطُلُ، إذا عَلِمَ البائِعُ قَصْدَ المُشْتَرِى ذلك، إمَّا بقولِه، وإمّا بقَرائِنَ مُخْتَصَّةٍ به، تَدُلُّ على ذلك. فأمّا إنْ كان الأمْرُ مُحْتمِلًا، مِثْلُ أنْ يَشْتَرِيَها مَن لا يَعْلَمُ حالَه، أو مَن يَعْمَلُ الخَلَّ والخَمْرَ مَعًا، ولم يَلْفِظْ بما يَدُلُّ على إرادَةِ الخَمْرِ، فالبَيْعُ جائِزٌ. وإذا ثَبَتَ التَّحْرِيمُ، فالبَيْعُ باطِلٌ، ويَحْتَمِلُ أنْ يَصِحَّ، وهو مذهبُ الشَّافِعِيِّ؛ لأنَّ المُحَرَّمَ فى ذلك اعْتِقادُه بالعَقْدِ دُونَه، فلم يَمْنَعْ صِحَّةَ العَقْدِ، كما لو دَلَّسَ العَيْبَ. ولَنا، أنَّه عَقَدَ على عَيْنٍ، لمَعْصِيَةِ اللهِ بها، فلم يَصِحَّ، كإجارَةِ الأمَةِ للزِّنَى والغِناءِ. وأمّا التَّدْلِيسُ، فهو المُحَرَّمُ، دُونَ العَقْدِ. ولأنّ التَّحْرِيمَ هاهُنا لحَقِّ اللهِ تعالى، فأَفْسَدَ العَقْدَ، كبَيْعِ دِرْهَمٍ بدِرْهَمَيْنِ، ويُفارِقُ التَّدْلِيسَ، فإنَّه لحَقِّ آدَمِيٍّ.

فصل: وهكذا الحُكْمُ فى كُلِّ ما قُصِدَ (٩) به الحرامُ، كبَيْعِ السِّلاحِ لأهلِ الحَرْبِ، أو لقُطّاعِ الطَّرِيقِ، أو فى الفِتْنَةِ، وبَيْعِ الأمَةِ للغِناءِ، أو إجارَتِهَا كذلك، أو إجارَة دارِه لبَيْعِ الخَمْرِ فيها، أو لِتُتَّخَذَ كَنِيسَةً، أو بَيْتَ نارٍ، وأشباهِ ذلك. فهذا حرامٌ، والعَقْدُ باطِلٌ؛ لِما قَدَّمْنا. قال ابنُ عَقِيلٍ: وقد نَصَّ أحمدُ. رَحِمَه اللهُ على مسائلَ، نَبَّهَ بها على ذلك، فقال فى القَصّابِ والخَبّازِ: إذا عَلِمَ أنّ مَن يَشْتَرِى منه، يَدْعُو عليه مَن يَشْرَبُ المُسْكِرَ، لا يَبِيعُه، ومَن يَخْتَرِطُ الأقداحَ لا يَبِيعُها مِمَّن يَشْرَبُ فيها. ونَهَى عن بَيْعِ الدِّيباجِ للرِّجالِ، ولا بَأْسَ ببَيْعهِ للنِّساءِ. ورُوِىَ عنه؛ لا يَبِيعُ الجَوْزَ مِن الصِّبْيانِ للقِمارِ. وعلى قِياسِه البَيْضُ، فيكونُ بَيْعُ ذلك كُلُّه باطِلًا.

فصل: قيل لأحمدَ: رَجُلٌ ماتَ، وخَلَّفَ جارِيَةً مُغَنِّيَةً، ووَلَدًا يَتِيمًا، وقد


(٨) فى م: "وشروطه".
(٩) فى م: "يقصد".

<<  <  ج: ص:  >  >>