للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مريمَ: الْبَتُولُ؛ لانْقطاعِها عن النِّكاحِ. ونَهَى النَّبىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- عن التَّبَتِّلِ، وهو الانْقِطاعُ عَنِ النِّكاحِ بالكُلِّيَّةِ. وكذلك الخَلِيَّةُ والبَرِيَّةُ يَقْتضيانِ الخُلُوَّ مِنَ النِّكاحِ والبَراءةَ منه، وإذا كان للَّفظِ (١٣) معنًى، فاعتبرَه الشَّرْعُ، إنَّما يُعتبَرُ (١٤) فيما يَقْتضِيه ويُؤدِّى مَعْناه، ولا سبيلَ إلى البَيْنُونةِ بدونِ الثَّلاثِ، فوقَعتْ ضرورةَ الوفاءِ بما يَقْتضِيه لفظُه، ولا يُمْكِنُ إيقاعُ واحدةٍ بائنٍ؛ لأنَّه لا يَقْدِرُ على ذلك بصريحِ الطَّلاقِ، فكذلك بكناياتِه. ولم يُفرِّقُوا (١٥) بين المدْخُولِ بها وغيرِها؛ لأنَّ الصَّحابةَ لم يُفرِّقُوا، ولأنَّ كلَّ لفظةٍ أوْجَبتِ الثَّلاثَ فى المدخولِ بها، أوجبَتْها فى غيرِها، كقوله: أنتِ طالقٌ ثلاثًا. فأمَّا حديثُ رُكَانَةَ؛ فإنَّ أحمدَ ضعَّفَ إسنادَه، فلذلك تَرَكَه. وأما قولُه -صلى اللَّه عليه وسلم- لابْنةِ الجَوْنِ: "الْحَقِى بِأَهْلِكِ". فيَدلُّ على أَنَّ هذه اللَّفظةَ لا تَقْتضِى الثَّلاثَ، وليست مِنَ اللَّفظاتِ التى قال الصَّحابةُ فيها بالثَّلاثِ، ولا هى مثلُها، فيُقصَرُ (١٦) الحُكمُ عليها (١٧). وقولُهم: إنَّ الكنايةَ بالنِّيَّةِ كالصَّريحِ. قُلْنا: نَعم، إلَّا أنَّ الصَّريحَ يَنْقسِمُ إلى ثلاثٍ تَحصُلُ بها (١٨) البَينُونةُ، وإلى ما دونَها ممَّا لا تَحْصُلُ به البَيْنُونةُ، فكذلك الكنايةُ تَنقسِمُ كذلك، فمنها ما يَقومُ مَقامَ الصَّريحِ المُحَصِّلِ للبَيْنُونةِ، وهو هذه الظَّاهرةُ، ومنها ما يَقومُ مَقامَ الواحدةِ، وهو ما عَداها، واللَّهُ أعلمُ.

فصل: وذكَرَ القاضى أنَّ ظاهرَ كلامِ أحمدَ، والخِرَقِىِّ؛ أنّ الطَّلاقَ يَقعُ بهذه الكناياتِ من غيرِ نِيَّةٍ، كقولِ مالكٍ؛ لأنَّه اشتَهَرَ استعمالُهْا فيه، فلم تَحْتَجْ إلى نِيّةٍ كالصَّريحِ. ومفهومُ كلامِ الْخِرَقىِّ أنَّه لا يَقَعُ إلَّا بنيَّةٍ؛ لقوله: وإذا أتى بصريحِ الطَّلاقِ


(١٣) فى ب، م: "اللفظ".
(١٤) فى أ: "يعتبره".
(١٥) فى الأصل: "يفرق".
(١٦) فى أ: "فيقتصر".
(١٧) فى ب، م: "عليهم".
(١٨) فى الأصل: "لها".

<<  <  ج: ص:  >  >>