للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

باب جامع الأَيْمان

١٨٢٧ - مسألة؛ قال أبو القاسمِ، رَحِمَه اللَّه تعالى: (ويُرْجَعُ فى الأَيْمانِ إِلَى النِّيَّةِ)

وجملةُ ذلك أَنَّ مَبْنَى اليَمِينِ على نِيَّةِ الحالِفِ، فإذا نَوَى بيَمِينِه ما يَحْتَمِلُه، انْصَرَفَتْ يَمِينُه إليه، سواءٌ كان ما نَواهُ مُوافِقًا لظاهِرِ اللَّفْظِ، أو مُخالفًا له، فالمُوافِقُ للظَّاهِرِ أَنْ يَنْوِىَ باللَّفْظِ مَوْضُوعَه الأَصْلِىَّ، مثل أَنْ يَنْوِىَ باللَّفْظِ العامَّ العُمومَ، وبالمُطْلَقِ الإِطْلاقَ، وبسائِرِ (١) الأَلَّفاظِ ما يتَبادَرُ إلى الأفْهامِ منها، والمُخالِفُ يَتَنَوَّعُ أنْواعًا؛ أحَدُها، أن يَنْوِىَ بالعامِّ الخاصَّ، مثل أَنْ يحْلِفَ لا يأكلُ لحمًا ولا فاكهةً. ويريدُ لحمًا بعَيْنِه، وفاكِهَةً بعينِها. ومنها، أَنْ يحْلِفَ على فعلِ شىءٍ أو تَرْكِه مُطْلَقًا، وينْوِىَ فِعْلَه أو تَرْكَه فى وقتٍ بِعَيْنِه، مثل من (٢) يحلِفُ: لا أتَغَدَّى. يعنى اليومَ، أو: لآكُلَنّ. يعنى السَّاعَةَ. ومنها، أَنْ ينْوِىَ بيَمِينِه غيرَ ما يَفْهَمُه السَّامِعُ منه، كما ذكرنَا فى الْمَعارِيضِ، فى مَسْأَلةِ إذا تأَوَّلَ فى يَمِينِه فله تَأْوِيلُه. ومنها، أَنْ يُرِيدَ بالخاصِّ العامَّ، مثل من (٢) يحلِفُ: لا شَرِبْتُ لفلانٍ الماءَ من العَطَشِ. يَنْوى قَطْعَ كلِّ ما له فيه مِنَّةٌ، أَوْ: لا يَأْوِى مع امْرأَتِه فى دارٍ. يريدُ جَفاءَها بتَرْك اجْتِماعِها معه فى جميعِ الدُّورِ، أو حلَفَ: لا يَلْبَسُ ثَوبًا من غَزْلِها. يُريِد قَطْعَ مِنَّتَهَا به، فيتعلَّقُ يَمِينُه بالانْتِفاعِ به، أو بثمَنِه، ممَّا لها فيه مِنَّةٌ عليه. وبهذا قال مالِكٌ. وقال أبو حنيفةَ، والشافِعِىُّ: لا عِبْرَةَ بالنِّيَّةِ والسبّبَ فيما يُخالِفُ لَفْظَه؛ لأنَّ الحِنْثَ مُخالَفَةُ ما عقَدَ عليه اليَمِينَ، واليَمِينُ لَفْظُه، فلو أحْنَثْناه على ما سِواهُ، لأَحْنَثْناهُ على ما نَوَى، لا على ما حَلَفَ، ولأَنَّ النِّيَّةَ بمُجَرَّدِها لا تَنْعَقِدُ بها اليمينُ، فكذلك لا يَحْنَثُ بِمُخالَفَتِها. ولَنا، أَنَّه نَوَى بكلامِه ما يَحْتَمِلُه، ويسُوغُ فى اللُّغَةِ التَّعْبِيرُ به عنه، فيَنْصَرِفُ يَمِينُه إليه


(١) فى أ، ب: "وسائر".
(٢) فى م: "أن".

<<  <  ج: ص:  >  >>