للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفَسْخَ لتَعَذُّرِ الإِنْفاقِ، بدليلِ أنَّه لو اقْتَرضَ ما يُنْفِقُ عليها، أو تَبَرَّعَ له إنسانٌ بدَفْعِ ما يُنْفِقُه، لم تَمْلِكِ الفَسْخَ. وقولُهم: إنَّه يَحْتَمِلُ أن يُنْفِقَ فيما بعدَ هذا. قُلْنا: وكذلك المُعْسِرُ، يَحْتَمِلُ أن يُغْنِيَه اللهُ، وأن يَقْتَرِضَ، أو يُعْطَى ما يُنْفِقُه، فاسْتَوَيَا.

فصل: ومَنْ وَجَبَتْ عليه نَفَقةُ امرأتِه، وكان له عليها دَيْنٌ، فأراد أن يَحْتَسِبَ عليها بدَيْنِه مَكانَ نَفَقَتِها، فإن كانتْ مُوسِرَةً، فله ذلك؛ لأنَّ مَنْ عليه حَقٌّ فله أن يَقْضِيَه من أي أمْوالِه شاءَ، وهذا من مالِه، وإن كانت مُعْسِرَةً، لم يكُنْ له ذلك؛ لأنَّ قَضاءَ الدَّيْنِ إنَّما يَجِبُ في الفاضلِ من قُوتِه، وهذا لا يَفْضُلُ عنها، ولأنَّ اللهَ تعالى أمَرَ بإنْظارِ المُعْسِرِ، بقولِه سُبْحانه: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} (٢٦). فيَجِبُ إنْظارُها بما عليها.

فصل: كلُّ مَوْضعٍ ثَبَتَ لها الفَسْخُ لأجْلِ النَّفَقةِ، لم يَجُزْ (٢٧) إلَّا بحُكْمِ الحاكمِ (٢٨)؛ لأنَّه فَسْخُ مُخْتَلَفٌ فيه، فافتَقَرَ إلى الحاكمِ، كالفَسْخِ بالعُنَّةِ (٢٩)، ولا يجوزُ له التَّفْرِيقُ إلَّا أن تَطْلُبَ المرأةُ ذلك؛ لأنَّه لحَقِّها، فلم يَجُزْ من غيرِ طَلَبِها، كالفَسْخِ للعُنَّةِ. فإذا فَرَّقَ الحاكمُ بينهما، فهو فَسْخٌ لا رَجْعةَ له فيه. وبهذا قال الشافعيُّ، وابنُ المُنْذِرِ. وقال مالكٌ: هو تَطْلِيقةٌ، وهو أحَقُّ بها إن أيْسَرَ في عِدَّتِها؛ لأنَّه تَفْرِيقٌ لِامْتناعِه من الواجبِ عليه لها، فأشْبه تَفْرِيقَه بين المُولِى وامْرأتِه إذا امْتَنَعَ من الفَيْئةِ والطَّلاقِ. وَلنا، أنَّها فُرْقةٌ لعَجْزِه عن الواجِبِ لها عليه، أشْبهَتْ فُرْقةَ العُنَّةِ. فأمَّا إن أجْبَرَه الحاكمُ على الطَّلاقِ، فطَلَّقَ أقَلَّ من ثلاثٍ، فله الرَّجعةُ عليها ما دامتْ في العِدَّةِ، فإن راجَعَها وهو مُعْسِرٌ، أو امْتَنَعَ من الإِنْفاقِ عليها، ولم يُمْكِن الأخْذُ من مالِه، فطَلَبتِ المرأةُ الفَسْخَ، فلِلحاكمِ الفَسْخُ؛ لأنَّ المُقْتَضِىَ له باقٍ، أشْبَهَ ما قَبْلَ الطَّلاقِ.


(٢٦) سورة البقرة ٢٨٠.
(٢٧) في أزيادة: "لها".
(٢٨) في أ: "حاكم".
(٢٩) في الأصل: "بالغيبة".

<<  <  ج: ص:  >  >>