للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

امرأتَيْه؛ لأنَّه معلومٌ زوالُ نكاحِه عن إحْدَى زَوْجَتَيْه. قُلْنا: إنَّما تَحقَّقَ حِنْثُه فى واحدةٍ غيرِ مُعَيَّنَةٍ، وبالنَّظَر إلى كلِّ واحدةٍ مُفْرَدةٍ، فيَقينُ نكاحِها باقٍ، وطلاقُها مَشْكوكٌ فيه، لَكِنْ لمَّا تَحَقَّقْنا أنَّ إحْدَاهما حرامٌ، ولم يُمْكِنْ تَمْييزُها، حَرُمَتا عليه جميعًا. وكذلك ههُنا قد عَلِمْنَا أَنَّ أحدَ هذينِ الرَّجُلَيْنِ قد طَلُقَتِ امرأتُه، وحَرُمَتْ عليه، وتَعَذَّرَ التَّمْييزُ، فَيَحْرُمُ الوَطْءُ عليهما، ويَصيرُ كما لو تَنَجَّسَ أحدُ الإِناءَيْنِ لا بعَمْنِه، فإنَّه يَحْرُمُ اسْتعمالُ كلِّ واحدٍ منهما، سواءٌ كانا لِرَجُلَيْنِ أو لرجُلٍ واحدٍ. وقال مَكْحُولٌ: يُحْمَلُ الطَّلاقُ عليهما جميعًا. ومالَ إليه أبو عُبَيدٍ. فإن ادَّعَى كل واحدٍ منهما أنَّه عَلِمَ الحالَ، وأنَّه لم يَحْنَثْ، دِينَ فيما بينَه وبينَ اللَّهِ تعالى. ونحوَ هذا قال عطاءٌ، والشَّعْبىُّ، والزُّهْرِىُّ، والحارِثُ العُكْلِىُّ، والثَّوْرِىُّ، والشّافعىُّ؛ لأنَّ كلَّ واحدٍ منهما يُمْكِنُ صِدْقُه فيما ادَّعاه. وإِنْ أقرَّ كلُّ واحدٍ منهما أنَّه الحانثُ، طَلُقَتْ زَوْجتاهما بإقْرارِهما على أنفُسِهما. وإن أقرَّ أحدُهما، حَنِثَ وحْدَه. وإن ادَّعتِ امرأةُ أحدِهما عليه الحِنْثَ، فأنكرَ (١٠)، فالقولُ قولُه. وهل يَحلِفُ؟ يُخرَّجُ على روايتَيْنِ.

فصل: فإن قال أحدُهما: إنْ كان هذا غُرابًا، فعبدى حُرٌّ. وقال الآخَرُ: إن لم يَكُنْ غرابًا، فعبدِى حُرٌّ. فطارَ ولم يعْلَما حالَه، لم نَحْكُمْ بِعِتْقِ واحدٍ من العبدَيْنِ. فإن اشْتَرى أحدُهما عبدَ صاحبِه، بعد أن أنْكَرَ حِنْثَ نفسِه، عَتَقَ الذى اشْتراه؛ لأنَّ إنْكارَه حِنْثَ نفسِه، اعْترافٌ منه بحِنْثِ صاحبِه، وإقرارٌ بِعِتْقِ الذى اشْتراهُ. وإذا اشْترَى مَنْ أقرَّ بحُريَّتِه، عَتَقَ عليه. وإن لم يَكُن منه إنكارٌ ولا اعترافٌ، فقد صارَ العَبْدانِ فى يَدِه، وأحدُهما حُرٌّ، ولم يُعْلَمْ بعَيْنِه، ويُرْجَعُ فى تَعْيينِه إلى القُرْعَةِ. وهذا قولُ أبى الخَطَّابِ. وذهب القاضى إلى أنَّه يَعْتِقُ الذى اشْتراهُ فى الموضِعَيْنِ؛ لأنَّ تَمَسُّكَه بعبدِه، اعترافٌ منه بِرِقِّه وحُريّةِ صاحبِه. وهذا مذهبُ الشّافعىِّ، ولَنا، أنَّه لم يَعْتَرِفْ لفظًا، ولا فعَلَ ما يَلْزَمُ منه الاعْترافُ، فإنَّ الشَّرْعَ يُسَوِّغُ (١١) له إمْساكَ عبدِه مع الجهْلِ، اسْتنادًا إلى الأصلِ،


(١٠) فى أ، ب: "فأنكرها".
(١١) فى الأصل، ب: "سوغ".

<<  <  ج: ص:  >  >>