للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كشَرِيكِ الأجْنَبِيِّ، ولا نُسَلِّمُ أنَّ فِعْلَ الأبِ غيرُ مُوجِبٍ؛ فإنَّه يَقْتَضِي الإِيجابَ لكَوْنِه تمَحَّضَ عَمْدًا عُدْوانًا، والجِنايةُ به أعْظَمُ إثْمًا، أكثرُ جُرْمًا، ولذلك خَصَّه اللهُ تعالى بالنَّهْيِ عنه، فقال: {وَلَا تَقْتُلُوا أوْلَادَكُمْ}. ثم قال: {إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا} (٢). ولما سُئِلَ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- عن أعْظَمِ الذَّنْبِ، قال: "أنْ تَجْعَلَ للهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ، ثُمَّ أنْ تَقتُلَ ولَدَكَ خَشْيَةَ أنْ يَطْعَمَ مَعَكَ" (٣). فجَعَلَه أعْظَمَ الذُّنُوبِ بعدَ الشِّرْكِ، ولأنَّه قَطَعَ الرَّحِمَ التي أَمَرَ اللهُ تعالى بصِلَتِها، ووَضَعَ الإِساءةَ مَوْضِعَ الإِحْسانِ، فهو أوْلَى بإيجابِ العُقُوبةِ والزَّجْرِ عنه، وإنما امْتَنَعَ الوُجُوبُ في حَقِّ الأب لمعنًى مُخْتَصٍّ بالمَحَلِّ، لا لِقُصُورٍ في السَّببِ المُوجِبِ، فلا يَمْتَنِعُ عَمَلُه في المَحَلِّ الذي لا مانِعَ فيه، وأمَّا شَرِيكُ الخاطِىءِ، فلَنا فيه مَنْعٌ، ومع التَّسْليمِ فامْتِناعُ الوُجُوبِ فيه لقُصُورِ السَّبَبِ عن الإِيجابِ، فإنَّ فِعْلَ الخاطىءِ غيرُ مُوجِبٍ للقِصاصِ، ولا صالحٍ له، والقَتْلُ منه ومن شَرِيكه غيرُ مُتَمَحِّضٍ عَمْدًا؛ لوُقُوعِ الخَطَإِ في الفِعْلِ الذي حَصَلَ به زُهُوقُ النَّفْسِ، بخلافِ مَسْألَتِنا.

فصل: وكلُّ شَرِيكَيْنِ امْتَنَعَ القِصاصُ في حَقِّ أحَدِهما، لمعنًى فيه من غيرِ قُصُورٍ في السَّبَبِ، فهو في وُجُوبِ القِصاصِ على شَرِيكِه كالأبِ وشَرِيكِه، مثل أن يَشْتَرِكَ مسلمٌ وذِمِّيٌّ في قَتْلِ [ذِمِّيٍّ، أو حُرٍّ وعبدٍ في قَتْلِ] (٤) عَبْدٍ، عَمْدًا عُدْوانًا، فإنَّ القِصاصَ لا


(٢) سورة الإسراء ٣١.
(٣) أخرجه البخاري، في: باب قول اللَّه تعالى: {فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}، وباب: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ. . .}، من كتاب التفسير، وفي: باب قتل الولد خشية أن يأكل معه، من كتاب الأدب، وفي: باب إثم الزناة، من كتاب الحدود، وفي: باب قول اللَّه تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ}، من كتاب الديات، وفي: باب قول اللَّه تعالى: {فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا}، من كتاب التوحيد. صحيح البخاري ٦/ ٢٢، ١٣٧، ١٣٨، ٨/ ٩، ٢٠٤، ٩/ ٢، ١٨٦. ومسلم، في: باب كون الشرك أقبح الذنوب وبيان أعظمها بعده، من كتاب الإيمان. صحيح مسلم ١/ ٩٠، ٩١. وأبو داود، في: باب في تعظيم الزنى، من كتاب الطلاق. سنن أبي داود ١/ ٥٣٩، ٥٤٠. والترمذي، في: باب ومن سورة الفرقان، من أبواب التفسير، عارضة الأحوذي ١٢/ ٥٧. والنسائي، في: باب ذكر أعظم الذنب، من كتاب تحريم الدم. المجتبى ٧/ ٨٢، ٨٣. والإِمام أحمد، في: المسند ١/ ٣٨٠، ٤٣١، ٤٣٤، ٤٦٢.
(٤) سقط من: م. نقل نظر.

<<  <  ج: ص:  >  >>