للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الموتِ، ثم عادَ فكانَ عندَ الموتِ جامعًا لشُروطِ الوَصِيَّةِ، صَحَّتِ الوَصِيَّةُ إليه؛ لأنَّ الشروطَ موجودةٌ حالَ العَقْدِ والموتِ، فصَحَّتِ الوَصِيَّةُ، كما لو لم تتَغيَّرْ حالُه. ويَحْتَمِلُ أن تَبْطُلَ؛ لأنَّ كلَّ حالةٍ منها حالةٌ للقَبولِ والرَّدِّ، فاعتُبِرتِ الشُّروطُ فيها. فأمَّا إن زالَتْ بعدَ الموتِ، فانْعَزَلَ، ثم عادَ، فكَمَّلَ الشُّروطَ، لم تَعُدْ وَصِيَّتُه؛ لأنَّها زالَتْ، فلا تَعودُ إلَّا بَعقْدٍ جديدٍ.

فصل: ويَصحُّ قَبولُ الوَصِيَّةِ ورَدُّها في حياةِ المُوصِى؛ لأنَّها إذْنٌ في التَّصرُّفِ، فصَحَّ قَبولُه بعدَ العقدِ، [كالتَّوْكِيلِ] (٤)، بخلافِ الوَصِيَّةِ له، فإنَّها تمليكٌ في وقتٍ، فلم يَصِحَّ القَبُولُ قبل الوقتِ. ويجوزُ تأْخيرُ القَبُولِ إلى ما بعدَ الموتِ؛ لأنَّها نَوْعُ وَصِيَّةٍ، فصحَّ قَبُولُها بعدَ الموتِ، كالوَصِيَّةِ له، ومتى قَبِلَ صارَ وَصِيًّا، وله عَزْلُ نفسِه متى شاءَ، مع القُدرةِ والعَجْزِ، في حَياةِ المُوصِى وبعدَ مَوْتِه، بمَشْهَدٍ منه وفى غَيْبَتِه. وبهذا قالَ الشَّافعىُّ. وقال أبو حنيفةَ: لا يجوزُ له ذلك بعدَ الموتِ بحَالٍ، ولا يجوزُ في حياتِه إلَّا بحَضْرَتِه؛ لأنَّه غَرَّه بالْتِزامِ وَصِيَّتِه، ومنَعه بذلك الإِيصاءَ إلى غيرِه. وذكرَ ابنُ أبي موسى، في "الإِرْشادِ" روايةً عن أحمدَ، ليس له عَزْلُ نفسِه بعدَ الموتِ لذلك. ولَنا، أنَّه مُتَصرِّفٌ بالإِذْنِ، فكانَ له عَزْلُ نفسِه، كالوَكِيلِ.

فصل: ويجوزُ أن يجْعَلَ للوَصِىِّ جُعْلًا؛ لأنَّها بمَنْزِلَةِ الوَكَالةِ، والوكالةُ تجوزُ بجُعْلٍ، فكذلك الوَصِيَّةُ. وقد نقلَ إسحاقُ بن إبراهيمَ، في الرجلِ يُوصِى إلى الرجلِ، ويَجْعَلُ له دَراهمَ مُسَمَّاةً، فلا بأسَ. ومُقاسَمةُ الوَصِىِّ (٥) الموصَى له جائزةٌ على الورَثةِ؛ لأنَّه نائبٌ عنهم، ومُقَاسَمتُه للورثةِ على المُوصَى له لا تجوزُ؛ لأنَّه ليس بنائبٍ عنه.


(٤) في م: "كالوكيل".
(٥) في م: "الموصى".

<<  <  ج: ص:  >  >>