للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الطَّلاقَ، ويَعْلمُ أَنَّ زَوْجتَه تَبِينُ به، وتَحْرُمُ عليه، فأكْثَرُ الرِّواياتِ عن أحمدَ أَنَّ طلاقَه يَقعُ. اختارَها أبو بكرٍ، والخِرَقِىُّ، وابنُ حامدٍ. ورُوِىَ نحوُ ذلك عن سعيدِ بنِ المُسَيَّبِ، وعطاءٍ، والحَسَنِ، والشَّعْبِىِّ، وإسحاقَ. ورَوَى أبو طالبٍ، عن أحمدَ: لا يَجوزُ طلاقُه حتى يَحتَلِمَ. وهو قولُ النَّخَعِىِّ، والزُّهْرِىِّ، ومالكٍ، وحمَّادٍ، والثَّوْرِىِّ، وأبى عُبَيْدٍ. وذكَرَ أبو عُبَيْدٍ، أنَّه قولُ أهلِ العراقِ وأهلِ الحجازِ. ورُوِىَ نحوُ ذلك عن ابنِ عبَّاسٍ؛ لقولِ النَّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "رُفِعَ الْقَلَمُ عَنِ الصَّبِىِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ" (٢). ولأنَّه غيرُ مُكَلَّفٍ، فلم يَقَعْ طلاقُه كالمجنونِ. ووَجْهُ الأُولَى قولُه عليه السلام: "الطَّلَاقُ لِمَنْ أَخَذَ بِالسَّاقِ" (٣). وقولُه: "كُلُّ طَلَاقٍ جَائِزٌ إِلَّا طَلَاقَ الْمَعْتُوهِ الْمَغْلُوبِ عَلَى عَقْلِهِ" (٤). ورُوِىَ عن عَلِىٍّ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، أنَّه قال: اكْتُمُوا الصِّبيانَ النِّكاحَ (٥). فيُفْهَمُ منه أَنَّ فائدتَه أن لا يُطَلِّقُوا. ولأنَّه طلاقٌ مِن عاقلٍ صادفَ مَحَلَّ الطَّلاقِ، فوقَعَ، كطلاقِ البالغِ.

فصل: وأكْثرُ الرِّواياتِ عن أحمدَ، تحديدُ مَن يَقعُ طلاقُه مِنَ الصِّبيانِ بكونِه يَعْقِلُ. وهو اختيارُ القاضى. ورَوَى عن أحمدَ أبو الحارثِ: إذا عَقَلَ الطَّلاقَ، جازَ طلاقُه، ما بين عَشْرٍ إلى اثنَتَىْ عَشْرَةَ. وهذا يَدُلُّ على أنَّه لا يَقَعُ لِدُونِ العَشْرِ. وهو اخْتيارُ أبى بكرٍ؛ لأنَّ العَشْرَ حدٌّ للضَّربِ على الصَّلاةِ والصِّيَامِ، وصحَّةِ الوصِيَّةِ، فكذلك هذا. وعن سعيدِ بن المُسَيَّبِ: إذا أحْصَى الصَّلاةَ، وصامَ رمضانَ، جازَ طلاقُه. وقال عطاءٌ: إذا بَلَغ أنَّ يُصِيبَ النِّساءَ. وعن الحسنِ: إذا عَقَلَ، وحَفِظَ الصَّلاةَ، وصامَ رمضانَ. وقال إسحاقُ: إذا جَازَ (٦) اثْنَتَىْ عَشْرَةَ.

فصل: ومَن أجازَ طلاقَ الصَّبِىِّ، اقْتَضَى مذهبُه أن يَجُوزَ تَوْكيلُه فيه، وتَوَكُّلُه لغيرِه. وقد أَوْمَأَ إليه أحمدُ، فقال، فى رجلٍ قال لصَبىٍّ: طَلِّقِ امرأتى. فقال: قد طَلَّقْتُكِ


(٢) تقدم تخريجه، فى: ٢/ ٥٠.
(٣) تقدم تخريجه، فى: ٩/ ٤٢١.
(٤) تقدم تخريجه، فى صفحة ٣٤٥.
(٥) أخرجه ابن أبى شيبة، فى: باب ما قالوا فى الصبى، من كتاب الطلاق. المصنف ٥/ ٣٥.
(٦) فى ب، م: "جاوز". وهما بمعنى.

<<  <  ج: ص:  >  >>