للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأمَّا تَخْصِيصُ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بالخِطابِ، فلا يُوجِبُ تَخْصِيصَه بالحُكْمِ؛ لما ذَكَرْنَاهُ، ولأنَّ الصَّحَابَةَ، رَضِىَ اللهُ عنهم، أنْكَرُوا على مانِعِى الزكاة قَوْلَهم: إنَّ اللهَ تعالى خَصَّ نَبِيَّهُ بأَخْذِ الزكاةِ، بقَوْلِه: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} (٣٠). وقد قال اللهُ تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} (٣١) وهذا لا يَخْتَصُّ به. فإنْ قيل: فالنَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَخَّرَ الصلاةَ يَوْمَ الخَنْدَقِ، ولم يُصَلِّ. قُلْنا: هذا كان قبلَ نُزُولِ صلاةِ الخَوْفِ، وإنما يُؤْخَذُ بالآخِرِ فالآخِرِ من أَمْرِ رسولِ اللهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، ويكونُ نَاسِخًا لما قَبْلَه، ثم إنَّ هذا الاعْتِراضَ باطِلٌ في نَفْسِه، إذْ لا خِلافَ في أنَّ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- كان له أنْ يُصَلِّىَ صلاةَ الخَوْفِ، وقد أمَرَهُ اللهُ تعالى بذلك في كِتابِه، فلا يجوزُ الاحْتِجاجُ بما يُخَالِفُ الكِتابَ والإِجْماعَ. ويَحْتَمِلُ أنَّ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَخَّرَ الصلاةَ نِسْيَانًا، فإنَّه رُوِىَ أنَّ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- سَأَلَهُم عن صلاتِها، فقالوا: ما صَلَّيْنَا. وَرُوِىَ أنَّ عُمرَ قال: ما صَلَّيْتُ العَصْرَ. فقال النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "وَاللهِ ما صَلَّيْتُها" (٣٢). أو كما جاءَ، ويَدُلُّ على صِحَّةِ هذا أنَّه لم يكنْ ثَمَّ قِتَالٌ يَمْنَعُهُ من الصلاةِ، فدَلَّ على ما ذَكَرْناهُ.

٣١٤ - مسألة؛ قال: (وصَلَاةُ الخَوْفِ إذَا كَانَ بإزَاءِ العَدُوِّ وهُوَ في سَفَرٍ، صَلَّى بِطَائِفَةٍ رَكْعَةً، وأَتَمَّتْ لِأَنْفُسِها أُخْرَى بالحَمْد لِلهِ وسُورَةٍ، ثم ذَهَبَتْ تَحْرُسُ، وجَاءَتِ الطَّائِفَةُ الأُخْرَى الَّتِى بإزَاءِ العَدُوِّ، فَصَلَّتْ مَعَهُ رَكْعَةً وأَتَمَّتْ لِأَنْفُسِها أُخْرَى بالحَمْد لِلهِ وسُورَةٍ، ويُطِيلُ التَّشَهُّدَ حتى يُتِمُّوا التَّشَهُّدَ، ويُسَلِّمُ بِهِمْ)

وجُمْلَةُ ذلك أنَّ الخَوْفَ لا يُؤَثِّرُ في عَدَدِ الرَّكَعَاتِ في حَقِّ الإِمامِ والمَأْمُومِ


= الباب السابق.
(٣٠) سورة التوبة ١٠٣.
(٣١) سورة التحريم ١.
(٣٢) أخرجه البخاري، في: باب من صلى بالناس جماعة بعد ذهاب الوقت، وباب قضاء الصلوات الأولى فالأولى، من كتاب المواقيت، وفى: باب قول الرجل ما صلينا، من كتاب الأذان، وفى: باب الصلاة عند مناهضة الحصون ولقاء العدو، من كتاب صلاة الخوف، وفى باب غزوة الخندق، من كتاب المغازى. صحيح البخاري ١/ ١٥٤، ١٥٥، ١٦٥، ٢/ ١٩، ٥/ ١٤١. ومسلم، في: باب الدليل لمن قال الصلاة الوسطى هي صلاة العصر، من كتاب المساجد. صحيح مسلم ١/ ٤٣٨. والترمذي، في: باب ما جاء في الرجل تفوته الصلوات بأيتهن يبدأ، من أبواب الصلاة. عارضة الأحوذى ١/ ٢٩٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>