للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جَمِيعًا، فإذا كان في سَفَرٍ يُبِيحُ القَصْرَ، صَلَّى بهما رَكْعَتَيْنِ، بكلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَةً، وتُتِمُّ لأنْفُسِها أُخْرَى على الصِّفَةِ المَذْكُورَةِ، وإنَّما يجوزُ ذلك بِشَرائِطَ: منها، أنْ يكونَ العَدُوُّ مُباحَ القِتالِ، وأنْ لا يُؤْمَنَ هُجُومُه. قال القاضي: ومن شَرْطِهَا كَونُ العَدُوِّ في غيرِ جِهَةِ القِبْلَةِ. ونَصَّ أحمدُ على خِلافِ ذلك، في رِوَايَةِ الأثْرَمِ، فإنَّه قال: قلتُ له، حَدِيثُ سَهْلٍ (١)، نَسْتَعْمِلُه مُسْتَقْبِلين القِبْلَةَ كانُوا أو مُسْتَدْبِرِينَ؟ قال: نعم، هو أنْكَى. ولأنَّ العَدُوَّ قد يكونُ في جِهَةِ القِبْلَةِ على وَجْهٍ لا يُمْكِنُ أنْ يُصَلِّىَ بهم صلاةَ عُسْفَانَ (٢) لانْتِشَارِهِمْ، أو اسْتِتَارِهِمْ، أو الخَوْفِ من كَمِينٍ، فالمَنْعُ من هذه الصلاةِ يُفْضِى إلى تَفْوِيتِها. قال أبو الخَطَّابِ: ومن شَرْطِهَا أنْ يكونَ في المُصَلِّينَ كَثْرَةٌ يُمْكِنُ تَفْرِيقُهُمْ طائِفَتَيْنِ، كلُّ طائِفَةٍ ثلاثَة فأكْثَرُ. وقال القاضي: إنْ كانت كُلُّ فِرْقَةٍ أقَلَّ من ثلاثةٍ كَرِهْنَاهُ؛ لأنَّ أحمدَ ذَهَبَ إلى ظَاهِرِ فِعْلِ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-. وَوَجْهُ قَوْلِهِما أنَّ اللهَ تعالى ذكَرَ الطَّائِفَةَ بِلَفْظِ الجَمْعِ، لِقَوْلِه تعالى: {فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ} (٣). وأَقَلُّ لَفْظِ الجَمْعِ ثلاثةٌ، والأوْلَى أن لا يُشْتَرَطَ هذا؛ لأنَّ ما دُونَ الثَّلاثةِ عَدَدٌ تَصِحُّ به الجَمَاعَةُ، فَجازَ أن يكونَ طَائِفَةً كالثَّلاثةِ، وأمَّا فِعْلُ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فإنَّه لا يُشْتَرَطُ في صلاةِ الخَوْفِ أنْ يكونَ المُصَلُّونَ مثلَ أصْحَابِ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- في العَدَدِ وَجْهًا وَاحِدًا، ولذلك اكْتَفَيْنَا بِثلاثةٍ، ولم يكنْ كذلك أصْحابُ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-. ويُسْتَحَبُّ أنْ


(١) أخرجه البخاري، في: باب غزوة ذات الرقاع، من كتاب المغازى. صحيح البخاري ٥/ ١٤٦. ومسلم، في: باب صلاة الخوف، من كتاب المسافرين. صحيح مسلم ١/ ٥٧٥. وأبو داود، في: باب من قال: يقوم صف مع الإِمام وصف وجاه العدو. . . إلخ، وباب من قال: إذا صلى ركعة وثبت قائما أتموا لأنفسهم. . . . إلخ، من كتاب الصلاة. سنن أبي داود ١/ ٢٨٢، ٢٨٣. والترمذي، في: باب ما جاء في صلاة الخوف، من أبواب السفر. عارضة الأحوذى ٣/ ٤٤. والنسائي، في: أول كتاب صلاة الخوف. المجتبى ٣/ ١٤٨. وابن ماجه، في باب ما جاء في صلاة الخوف، من كتاب إقامة الصلاة. سنن ابن ماجه ١/ ٣٩٩. والإِمام مالك في كتاب صلاة الخوف. الموطأ ١/ ١٨٣. والإِمام أحمد، في: المسند ٣/ ٤٤٨، ٥/ ٣٧٠. وتأتي أطراف منه أثناء الباب.
(٢) تقدم ذكر عسفان في ٢/ ٢١١. ويأتى الحديث في المسألة ٣١٦.
(٣) سورة النساء ١٠٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>