للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بما إذا أجَرَها من المُكْتَرِى، فإنَّه يَصِحُّ مع ما ذَكَرَهُ (٩). إذا ثَبَتَ هذا، فإنَّ الإِجَارَةَ إن كانتْ على مُدَّةٍ تَلِى العَقْدَ، لم يَحْتَجْ إلى ذِكْرِ ابْتِدَائِها من حينِ العَقدِ، وإن كانتْ لا تَلِيه، فلا بُدَّ من ذِكْرِ ابْتِدَاِئها، لأنَّه أحَدُ طَرَفَىِ العَقْدِ، فاحْتِيجَ إلى مَعرِفَتِه، كالانْتِهَاء. وإن أطْلَقَ. فقال: أجَرْتُكَ سَنةً، أو شَهْرًا. صَحَّ وكان ابْتِداؤُه من حينِ العَقْدِ. وهذا قول مالكٍ، وأبى حنيفةَ. وقال الشافِعِيُّ. وبعضُ أصْحابِنا: لا يَصِحُّ حتى يُسَمِّىَ الشَّهْرَ، ويَذْكُرَ أيَّ سَنَةٍ هي؛ فإنَّ أحمدَ قال، في رِوَايةِ إسماعيلَ بن سَعِيدٍ: إذا اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا شَهْرًا، فلا يجوزُ حتى يُسَمِّىَ الشَّهْرَ. ولَنا، قولُ اللَّه تعالى إخْبارًا عن شُعَيْبٍ عليه السَّلَامُ: {عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ} (١٠). ولم يَذْكُرْ ابْتِدَاءَها. ولأنَّه تَقْدِيرٌ بمُدَّةٍ ليس فيها قُرْبَةٌ، فإذا أطْلَقَها (١١)، وَجَبَ أن تَلِىَ السَّبَبَ المُوجِبَ (١٢)، كمُدَّةِ السَّلَمِ والإِيلَاءِ، وتُفَارِقُ النَّذْرَ؛ فإنَّه قُرْبَةٌ.

فصل: ولا تَتَقَدَّرُ أكْثَرُ مُدَّةِ الإِجَارَةِ، بل تجوزُ إجَارَةُ العَيْنِ المُدَّةَ التي تَبْقَى فيها وإن كَثُرَتْ. وهذا قولُ كَافَّةِ أهْلِ العِلْمِ. إلَّا أنَّ أصْحابَ الشافِعِيِّ اخْتَلَفُوا في مَذْهَبِه، فمنهم مَن قال: له قَوْلَانِ؛ أحدُهما، كقولِ سائِرِ أهْلِ العِلْمِ. وهو الصَّحِيحُ. الثاني، لا يجوزُ أكْثَرَ من سَنَةٍ؛ لأنَّ الحاجَةَ لا تَدْعُو إلى أكْثَرَ منها. ومنهم من قال: له قولٌ ثالِثٌ، أنَّها لا تَجوزُ أكْثَرَ من ثَلَاثِينَ سَنَةً؛ لأنَّ الغالِبَ أن الأعْيانَ لا تَبْقَى أكْثَرَ منها، وتَتَغَيَّرُ الأسْعَارُ والأَجْرُ. ولَنا، قولُ اللَّه تعالى إخْبارًا عن شُعَيبٍ عليه السَّلام، أنَّه قال: {عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ}، وشَرْعُ مَن قَبْلَنا شَرْعٌ لنا ما لم يَقُمْ على نَسْخِه دَلِيلٌ. ولأنَّ ما جازَ العَقْدُ عليه سَنَةً، جازَ أكْثَر منها، كالبَيْعِ


(٩) في الأصل: "ذكرناه". وفي م: "ذكروه".
(١٠) سورة القصص ٢٧.
(١١) في الأصل: "أطلقا".
(١٢) سقط من: الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>