للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الغُرَمَاءِ، وإن كان رِزَمًا، فتَلِفَ بعضُها، فإنه يَأْخُذُ بِقِيمَتِها إذا كان بِعَيْنِه؛ لأنَّ السَّالِمَ من المَبِيعِ وَجَدَهُ البَائِعُ بِعَيْنِه، فيَدْخُلُ فى عُمُومِ قولِه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ أَدْرَكَ مَتَاعَهُ بِعَيْنِهِ عِنْدَ إنْسَانٍ قَدْ أفْلَسَ. فَهُوَ أحَقُّ بِهِ". ولأنَّه مَبِيعٌ، وَجَدَه بِعَيْنِه، فكان لِلْبَائِعِ الرُّجُوعُ فيه، كما لو كان جميعَ المَبِيعِ.

فصل: وإن باعَ بعضَ المَبِيعِ، أو وَهَبَه، أو وَقَفَهُ، فهو بمَنْزِلَةِ تَلَفِه؛ لأنَّ البائِعَ ما أَدْرَكَ مالَهُ بِعَيْنِه.

فصل: وإن نَقَصَتْ مَالِيَّةُ المَبِيعِ، لِذَهَابِ صِفَةٍ مع بَقَاءِ عَيْنِه، كعبدٍ هُزِلَ، أو نسِىَ صِناعَةً أو كِتابَةً، أو كَبِرَ، أو مَرِضَ، أو تَغَيَّرَ عَقلُه، أو كان ثَوْبًا فَخَلَقَ، لم يَمْنَعِ الرُّجُوعَ؛ لأنَّ فَقْدَ الصِّفَةِ لا يُخْرِجُه عن كَوْنِه عَيْنَ مالِه، لكنّه يَتَخَيَّرُ بين أخْذِه نَاقِصًا بِجَمِيعِ حَقِّه، وبين أن يَضْرِبَ مع الغُرَمَاءِ بِكَمالِ ثَمَنِه؛ لأنَّ الثَّمَنَ لا يَتَقَسَّطُ على صِفَةِ السِّلْعَةِ من سِمَنٍ، أو هُزَالٍ، أو عِلْمٍ، أو نحوِه، فيصيرُ كنقصِه لتَغَيُّرِ الأسعارِ. ولو كان المَبِيعُ أمَةً ثَيِّبًا، فوَطِئَها المُشْتَرِى، ولم تَحْمِلْ، فله الرُّجُوعُ فيها؛ لما ذَكَرْنَا، فإنَّها لم تَنْقُصْ فى ذاتٍ ولا فى صِفَاتٍ. وإن كانت بِكْرًا، فقال القاضى: له الرُّجُوعُ؛ لأنَّه فَقَدَ صِفَةً، فإنَّه لم يَذْهَبْ منها جُزءٌ، وإنَّما هو كالجِراحِ. وقال أبو بكرٍ: ليس له الرُّجُوعُ؛ لأنَّه أذْهَبَ منها جُزْءًا، فأشْبَه ما لو فَقَأ عَيْنَها. وإن وُجِدَ الوَطْءُ من غيرِ المُفْلِسِ، فهو كَوَطْءِ المُفْلِسِ، فيما ذَكَرْنَا.

فصل: وإن جُرِحَ العَبْدُ أو شُجَّ، فعلى قولِ أبى بكرٍ: لا يَرْجِعُ؛ لأنَّه ذَهَبَ جُزْءٌ يَنْقُصُ به الثَّمَنُ، فأشْبَه ما لو فقِئَتْ عَيْنُ العَبْدِ؛ لأنَّه ذَهَبَ من العَيْنِ جُزْءٌ له بَدَلٌ، فمَنَعَ الرُّجُوعَ، كما لو قُطِعَتْ يَدُ العَبْدِ، ولأنَّه لو نَقَصَ صِفَةً مُجَرَّدَةً، لم يكُنْ للبائِعِ من الرُّجُوعِ فيها شىءٌ سِواهُ، كما ذَكَرْنا فى هُزالِ العَبْدِ، ونِسيانِ الصَّنْعَةِ، وهاهُنا بِخِلافِه، ولأنَّ الرُّجُوعَ فى المَحلِّ المَنْصُوصِ عليه يَقْطَعُ النِّزاعَ، ويُزِيلُ المُعامَلَةَ بينهما، فلا يَثْبُتُ فى مَحلٍّ لا يَحْصُلُ به هذا المَقْصُودُ. وقال القاضى: قِياسُ المذهبِ أنَّ له الرُّجُوعَ؛ لأنَّه فَقَدَ صِفَةً، فأشْبَه نسيانَ الصَّنْعَةِ، واسْتِخْلَاقَ

<<  <  ج: ص:  >  >>