للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صحيحٌ. ولأنَّه لو وجَبَ الأكلُ، لَوجبَ على المُتَطَوِّعِ بالصومِ، فلمَّا لم يَلْزمْه الأكلُ، لم يلزمْه إذا كان مُفْطِرًا. وقولُهم: المقصودُ الأكلُ. قُلْنا: بل المقصودُ الإِجابةُ، ولذلك وجبتْ على الصَّائمِ الذى لا يأكلُ.

فصل: إذا دُعىَ إلى وَلِيمةٍ، فيها مَعْصِيَةٌ، كالخمرِ، والزَّمْرِ، والعُودِ ونحوِه، وأمْكنَه الإِنكارُ، وإزالةُ المُنْكَرِ، لَزِمَه الحضورُ والإِنكارُ؛ لأنَّه يُؤدِّى فَرْضَيْنِ؛ إجابةَ أخيه (٧) المسلمِ، وإزالةَ المُنْكَرِ. وإِنْ لم يقدِرْ على الإِنكارِ، لم يحضُرْ. وإِنْ لم يعْلَمْ بالمُنْكَرِ حتى حضرَ، أزالَه، فإنْ لم يَقْدِرْ انْصَرفَ. ونحو هذا قال الشَّافعىُّ. وقال مالك: أمَّا اللَّهوُ الخَفِيفُ، كالدُّفِّ والكَبَرِ (٨)، فلا يرجعُ. وقالَه ابنُ القاسمِ. وقال أصْبَغُ: أررى أنْ يَرْجِعَ؛ وقال أبو حنيفةَ: إذا وجدَ اللَّعِبَ، فلا بأسَ أنْ يقْعُدَ فيأْكُلَ. وقال محمدُ بنُ الحسنِ: إنْ كان مِمَّن يُقتَدَى به، فأحَبُّ إلىَّ أنْ يَخْرُجَ. وقال اللَّيْثُ: إذا كان فيها الضَّربُ بالعُودِ، فلا ينْبَغِى له أنْ يشْهَدَها. والأصلُ فى هذا ما رَوى سَفِينَةُ أنَّ رجلًا أضافَه علىٌّ، فصنَعَ له طَعامًا، فقالتْ فاطمةُ: لو دعَوْنا رسولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأكلَ معنا؟ فدعَوْه، فجاءَ. فوضَعَ يدَه على عِضَادَتَى البَابِ، فرأى قِرَامًا فى ناحيةِ البيتِ، فرجعَ، فقالت فاطمةُ لعلىٍّ: الحَقْه، فقلْ له: ما رَجَعَك (٩) يا رسولَ اللَّهِ؟ فقال (١٠): "إنَّهُ لَيْسَ لِى أَنْ أَدْخُلَ بيتًا مُزَوَّقًا" (١١). حديثٌ حسنٌ. ورَوى أبو حفصٍ، بإسْناده. أَنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، فَلَا يَقْعُدْ عَلَى مَائِدَةٍ يُدَارُ عَلَيْهَا الْخَمْرُ" (١٢). وعن نافعٍ، قال: كنتُ أسيرُ معَ عبدِ اللَّهِ بنِ عمرَ، فسَمِعَ


(٧) سقط من: أ.
(٨) الكَبَر -بفتحتين-: الطبل الذى له وجه واحد، وجمعه: كِبار، مثل: جَمَل وجِمال. اللسان (كبر).
(٩) فى ب، م: "أرجعك".
(١٠) فى أزيادة: "له".
(١١) أخرجه أبو داود، فى: باب إجابة الدعوة إذا حضرها مكروه، من كتاب الأطعمة، سنن أبى داود ٢/ ٣٠٩. وابن ماجه، فى: باب إذا رأى الضيف منكرا رجع، من كتاب الأطعمة، سنن ابن ماجه ٢/ ١١١٥. والإمام أحمد، فى: المسند ٥/ ٢٢١، ٢٢٢.
(١٢) أخرجه الترمذى، فى: باب ما جاء فى دخول الحمام، من كتاب الأدب. عارضة الأحوذى ١٠/ ٢٤٢، ٢٤٣. والدارمى، فى: باب النهى عن القعود عن مائدة بدار عليها الخمر، من كتاب الأشربة. سنن الدارمى ٢/ ١١٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>