للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال: بسم اللَّهِ، ثم قبضَ يدَه، وقال: كُلوا، فإنِّى صائمٌ (٢). وإِنْ كان صومًا تطَوُّعًا، استُحِبَّ له الأَكلُ؛ لأنَّ له الخُروجَ مِن الصَّومِ، فإذا كان فى الأكلِ إجابةُ أخيهِ المسلمِ، وإدخالُ السُّرورِ على قلبِه، كان أوْلى. وقد رُوِىَ أَنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- كان فى دَعْوةٍ، ومعه جماعةٌ، فاعتزلَ رجلٌ مِن القومِ ناحيةً، فقال: إنِّى صائمٌ، فقال النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "دَعَاكُمْ أَخُوكُمْ، وَتَكَلَّفَ لَكُمْ، كُلْ، ثُمَّ صُمْ يَوْمًا مَكَانَهُ إِنْ شِئْتَ" (٣)، وإِنْ أحبَّ إتْمامَ الصِّيامِ جازَ؛ لما رَوَيْنا مِن الخبرِ المتقدِّم، ولكنْ يدعو لهم، ويَتْرُكُ (٤)، ويُخْبرُهُمْ بصِيَامِه؛ ليعْلَمُوا عُذرَه، فتزولَ عنه التُّهْمَةُ فى تَرْكِ الأكلِ. وقد رَوى أبو حَفْصٍ، بإسْنادِه عن عثمانَ بن عفَّانَ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، أنَّه أجاب عبدَ المُغِيرةِ وهو صائمٌ، فقال: إنِّى صائمٌ، ولكنِّى أحْبَبْتُ أنْ أجيبَ الدَّاعىَ، فأدْعُوَ بالبركةِ. وعن عبدِ اللَّهِ قال: إذا عُرِضَ على أحَدِكُم الطَّعامُ وهو صائمٌ، فليقُلْ: إنِّى صائمٌ. وإِنْ كان مُفطِرًا، فالأَوْلَى له الأكلُ؛ لأنَّه أبلغُ فى إكْرامِ الدَّاعِى، وجَبْرِ قلبِه (٥). ولا يجبُ عليه ذلك. وقال أصحابُ الشَّافعىِّ: فيه وجهٌ آخرُ، أنَّه يلزمُه الأكلُ؛ لقَوْلِ النَّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "وَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا فَلْيَطْعَمْ". ولأنَّ المقصودَ منه الأكلُ، فكان واجبًا. ولَنا، قَوْلُ النَّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِذَا دُعِىَ أَحَدُكُمْ فَلْيُجِبْ، فَإِنْ شَاءَ أَكَلَ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ" (٦). حديثٌ


= كما أخرجه مسلم، فى: باب الأمر بإجابة الداعى، من كتاب النكاح. صحيح مسلم ٢/ ١٠٥٤. والترمذى، فى: باب ما جاء فى إجابة الصائم الدعوة، من كتاب الصوم. عارضة الأحوذى ٣/ ٣٠٨. والإِمام أحمد، فى: المسند ٢/ ٢٧٩، ٤٨٩، ٥٠٧.
(٢) أخرجه البيهقى، فى: باب يجيب المدعو صائما. . .، من كتاب الصداق. السنن الكبرى ٧/ ٢٦٣. وابن أبى شيبة، فى: باب من كان يقول إذا دعى أحدكم إلى طعام فليجب، من كتاب الصيام. المصنف ٣/ ٦٤.
(٣) أخرجه البيهقى، فى: باب التخيير فى القضاء إن كان صومه تطوعا، من كتاب الصيام. السنن الكبرى ٤/ ٢٧٩.
(٤) فى ب، م: "ويبارك".
(٥) أخرجه عبد الرزاق، فى: باب الرجل يدعى إلى طعام وهو صائم، من كتاب الصيام. المصنف ٤/ ٢٠٠. وابن أبى شيبة، فى: باب من كان يقول: إذا دعى أحدكم إلى طعام فليجب، من كتاب الصيام. المصنف ٣/ ٦٤.
(٦) أخرجه مسلم، فى: باب الأمر بإجابة الداعى إلى دعوة، من كتاب النكاح. صحيح مسلم ٢٠/ ١٠٥٤. وأبو داود، فى: باب ما جاء فى إجابة الدعوة، من كتاب الأطعمة. سنن أبى داود ٢/ ٣٠٦. وابن ماجه، فى: باب من دعى إلى طعام وهو صائم، من كتاب الصيام. سنن ابن ماجه ١/ ٥٥٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>