للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كانت المرأةُ ادَّعَتْ أنَّها أَذِنَتْ فأنكَرَ وَرَثةُ الزَّوْجِ، فالقولُ قولُها؛ لأنَّه اخْتلافٌ فى أمرٍ يَخْتَصُّ (٣٥) بها، صادرٌ من جهَتِها، فالقولُ قَوْلُها فيه، كما لو اخْتَلَفُوا فى نِيَّتها فيما تُعْتَبَرُ فيه نِيَّتُها، ولأنَّها تَدَّعِى صِحَّةَ العَقْدِ، وهم يَدَّعُونَ فَسادَه، فالظَّاهرُ معها.

فصل: فى المَجْنُونةِ، إن كانت مِمَّنْ تُجْبَرُ لو كانت عاقلةً، جاز تَزْوِيجُها لمن يَمْلِكُ إجْبارَها؛ لأنَّه إذا مَلَكَ إجْبارَها مع عَقْلِها وامْتِناعِها، فمع عَدَمِه أوْلَى. وإن كانت ممَّن لا يُجْبَرُ، انْقَسمت ثلاثةَ أقسامٍ؛ أحدها، أن يكونَ وَلِيُّها الأبَ أو وَصِيَّه، كالثَّيِّب الكبيرةِ، فهذه يجوزُ لوَلِيِّها تَزْويجُها. ذكره القاضى. وهو ظاهرُ كلام الْخِرَقِىِّ؛ لأنَّه جَعَلَ للأبِ تزويجَ المَعتُوهِ، فالمرأةُ أَوْلَى. وهذا قولُ الشافعىِّ، وأبى حنيفةَ. ومَنَعَ منه أبو بكرٍ؛ لأنَّها وِلايةُ إجْبارٍ، وليس على الثيِّبِ وِلايةُ إجبارٍ. والأوَّلُ أصَحَّ؛ فإنَّ وِلايةَ الإجْبارِ إنَّما انتفَتْ عن العاقلةِ لرَأْيِها، لحُصُولِ (٣٦) المباشَرةِ منها (٣٧) والخِبْرةِ، وهذه بخلافِ ذلك. وكذلك الحكمُ فى الثيبِ الصغيرةِ، إذا قُلْنا بعَدَمِ الإجبارِ فى حَقِّها، إذا كانت عاقلةً. القسم الثانى، أن يكونَ وَلِيُّها الحاكمَ، ففيها وَجْهان؛ أحدهما، ليس له تَزْويجُها بحالٍ؛ لأنَّ هذه وِلايةُ إجْبارٍ، فلا تَثْبُتُ لغيرِ الأبِ، كحالِ (٣٨) عَقْلِها. والثانى، له تزويجُها إذا ظَهَرَ منها شَهْوةُ الرِّجالِ، كبيرةً كانتْ أو صغيرةً. وهو اختيارُ ابن حامد، وأبى الخَطَّابِ، وقولُ أبى حنيفةَ؛ لأنَّ بها حاجةً إليه لدَفْعِ ضَرَرِ الشَّهْوةِ عنها، وصِيانَتِها عن الفُجُورِ، وتَحْصِيلِ المَهْرِ والنَّفَقةِ، والعَفافِ، وصِيَانةِ العِرْضِ، ولا سَبِيلَ إلى إذْنِها، فأُبِيحَ تَزْويجُها، كالثَّيِّبِ مع أبِيها. وكذلك ينبغِى أن يَمْلِكَ تَزْويجَها إن قال أهلُ الطِّبِّ: إن عِلَّتَها تَزُولُ بتَزْوِيجِها (٣٩)؛ لأنَّ ذلك من أعْظَمِ مصالِحها. وقال الشافعىُّ: لا يَمْلِكُ تَزْويجَ صغيرةٍ بحالٍ، ويملكُ تَزْويجَ الكبيرةِ إذا قال أهْلُ الطِّبِّ إنَّ عِلَّتَها تزولُ بتَزْويجِها (٣٩). ولَنا، أَنَّ المَعْنَى المُبِيحَ للتَّزْويج وُجِدَ فى حَقِّ


(٣٥) فى الأصل: "مختص".
(٣٦) فى الأصل: "بحصول".
(٣٧) فى أ: "فيها".
(٣٨) فى م: "كحل".
(٣٩) فى م: "بتزوجها".

<<  <  ج: ص:  >  >>