للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فضَمِنَه، كما لو دَفَعَ الوَدِيعةَ إلى غيرِ مالِكِها، إذا غَلَبَ على ظَنِّه أنَّه مالِكُها. فأمَّا إن دَفَعَها بحُكْمِ حاكمٍ، لم يَمْلِكْ صاحِبُها مُطَالَبةَ الدَّافعِ؛ لأنَّها مَأْخُوذَةٌ منه على سَبِيلِ القَهْرِ، فلم يَضْمَنْها، كما لو غَصَبَها غاصِبٌ. ومتى ضَمِنَ الواصِفُ لم يَرْجِعْ على أحدٍ؛ لأنَّ العُدْوانَ منه والتَّلَفَ عنده. فإن ضَمِنَ الدافِعُ، رَجَعَ على الواصِفِ؛ لأنَّه كان سَبَبَ تَغْرِيمِه، إلَّا أن يكونَ المُلْتَقِطُ قد أَقَرَّ للواصِفِ أنَّه صاحِبُها ومالِكُها، فإنَّه لا يَرْجِعُ عليه، لأنَّه اعْتَرَفَ أنَّه صاحِبُها ومُسْتَحِقُّها، وأنَّ صاحِبَ البَيِّنةِ ظَلَمَه بِتَضْمِينِه، فلا يَرْجِعُ به. على غيرِ مَنْ ظَلَمَه. وإن كانت اللُّقَطَةُ قد تَلِفَتْ عند المُلْتَقِطِ، فضَمَّنَهُ إيّاها، رَجَعَ على الواصِفِ بما غَرِمَهُ، وليس لِمَالِكِها تَضْمِينُ الواصِفِ؛ لأنَّ الذي قَبَضَه إنَّما هو مالُ المُلْتَقِطِ، لا مالُ صاحِبِ اللُّقَطةِ، بخِلَافِ ما إذا سَلَّم العَيْنَ. فأمَّا إن وَصَفَها إنْسانٌ، فأخَذَها، ثم جاءَ آخَرُ فوَصَفَها وادَّعَاها، لم يَسْتَحِقَّ شَيْئا؛ لأنَّ الأوَّلَ اسْتَحَقَّها لِوَصْفِه إيَّاها، وعَدَمِ المُنازِعِ فيها، وثَبَتَتْ يَدُه عليها، ولم يُوجَدْ ما يَقْتَضِى انْتِزَاعَها منه، فوَجَبَ إبْقاؤُها له، كسائِر مالِه.

فصل: ولو جاء مُدَّعٍ لِلُقَطَةٍ، فلم يَصِفْها، ولا أَقَامَ بَيِّنةً أنَّها له، لم يَجُزْ دَفْعُها إليه، سواءٌ غَلَبَ على ظَنِّه صَدْقُه أو كَذِبُه؛ لأنَّها أمانَةٌ, فلم يَجْزْ دَفْعُها إلى مَن لم يُثْبِتْ أنَّه صَاحِبُها، كالوَدِيعَةِ، فإن دَفَعَها، فجاءَ آخَرُ فوَصَفَها، أو أقامَ (١٢) بَيِّنةً، لَزِمَ الواصِفَ غَرَامَتُها له؛ لأنَّه فَوَّتَها على مالِكِها بِتَفْرِيطِه، وله الرُّجُوعُ على مُدَّعِيها؛ لأنَّه أخَذَ مالَ غيره، ولِصَاحِبِها تَضْمِينُ آخِذِها، فإذا ضَمَّنَه لم يَرْجِعْ على أحدٍ. وإن لم يَأْتِ أحدٌ يَدَّعِيها فَلِلْمُلْتَقِطِ مُطَالَبةُ آخِذِها بها؛ لأنَّه لا يَأْمَنُ (١٣) مَجِىءَ صاحِبِها، فيُغَرِّمُهُ إيّاهَا، ولأنها أمانَةٌ في يَدِه، فمَلَكَ أخْذَها من غاصِبِها، كالوَدِيعَةِ.


(١٢) في الأصل زيادة: "بها".
(١٣) في م زيادة: "من".

<<  <  ج: ص:  >  >>