للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَعَدَّى عليه مُتَعَدٍّ فقَطَعَها، سقطَ القَطْعُ، ولا شَىءَ على العادِى إلَّا الأدَبُ. وبهذا قال مالِكٌ، والشَّافِعِىُّ، وأبو ثورٍ، وأصْحابُ الرَّأْىِ. وقال قَتادةُ: يُقْتَصُّ من القاطِعِ، وتُقْطَعُ رِجْلُ السَّارِقِ. وهذا غيرُ صحيحٍ؛ فإنَّ يَدَ السَّارِقِ ذهَبَتْ، والقاطِعُ قَطَعَ عُضْوًا غيرَ مَعْصُومٍ. وإن قَطَعَها قاطِعٌ بعدَ السَّرِقَةِ، وقبلَ ثُبوتِ السَّرِقَةِ، والحُكْمِ بالقَطْعِ، ثم ثَبَتَ ذلك، فكذلك. ولو شَهِدَ بالسَّرِقَةِ، فَحَبَسَه الحاكِمُ لِيُعَدِّلَ الشُّهودَ، فقطعَه قَاطِعٌ، ثم عُدِّلُوا، فكذلك، وإن لم يُعدَّلُوا، وَجَبَ القِصَاصُ على القاطِعِ. وبهذا قالَ الشَّافِعِىُّ. وقال أصْحابُ الرَّأْىِ: لا قِصَاصَ عليه؛ لأنَّ صِدْقَهم مُحْتَمِلٌ، فيكونُ ذلك شُبْهَةً. ولَنا، أنَّه قَطَعَ طَرَفًا ممَّن يُكافِئُه عَمْدًا بغيرِ حَقٍّ، فَلَزِمَه القَطعُ، كما لو قَطَعَهُ قبلَ إقامةِ البَيِّنَةِ.

فصل: وإن سرقَ فَقَطَعَ الجذَّاذُ يَسارَهُ بدلًا عن يَمينِه، أجزأَتْ، ولا شيءَ على القاطِعِ إلَّا الأدَبُ. وبهذا قال قَتادَةُ، والشَّعْبِىُّ، وأصْحابُ الرَّأْىِ. وذلك لأنَّ قطعَ يُمْنَى السَّارِقِ يُفْضِى إلى تَفْويتِ مَنْفَعةِ الجِنْسِ، وقَطْعَ يَدَيْهِ بِسَرِقَةٍ واحِدَةٍ، فلا يُشْرَعُ، وإذا انْتفَى قَطْعُ يَمِينِه، حَصَلَ قَطْعُ يسارِه مُجْزِئًا عن القَطْعِ الواجِبِ، فلا يجبُ على فاعِلِه قِصَاصٌ. وقال أصحابُنا: في وُجوبِ قَطْعِ يَمِينِ (٢٦) السَّارِقِ وَجْهان. وللشَّافِعِىّ فيما إذا لم يَعْلَمِ القَاطِعُ كَوْنَها يَسارًا، أو ظَنَّ أن قطعَها يُجْزِئُ قولان؛ أحدُهما، لا تُقطَعُ يمينُ السَّارِقِ، كيلا تُقْطَعَ يداه بِسَرِقَةٍ واحِدَةٍ. والثانى، تُقْطَعُ، كما لو قُطِعَتْ يَسارُه (٢٧) قِصاصًا. فأمَّا القاطِعُ، فاتَّفَقَ أصحابُنا والشَّافِعِىُّ على أنَّه إن قطعَها عن غيرِ اخْتيارٍ من السَّارِقِ، أو كانَ السَّارِقُ أخْرَجَها دَهْشَةً أو ظنًّا منه أنها تُجْزِئُ، وقطَعَها القاطِعُ عالمًا بأنها يُسْرَاهُ، وأنَّها لا تُجْزِئُ، فعليه القِصَاصُ، وإن لم يَعْلَمْ أنَّها يُسْراهُ، أو ظَنَّ أنَّها مُجْزِئَةٌ، فعليه دِيَتُها. وإن كان السَّارِقُ أخرجَها مُخْتارًا عالمًا بالأمْرَيْن، فلا شىءَ على


(٢٦) في ب: "يمنى".
(٢٧) في ب، م: "يسراه".

<<  <  ج: ص:  >  >>