للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العامِلِ في شيءٍ آخَرَ، فهل تَفْسُدُ المُسَاقاةُ والمُزَارَعةُ؟ يُخَرَّجُ على رِوَايَتَيْنِ، بِنَاءً على [الشُّرُوطِ الفاسِدَةِ] (٥) في البَيْعِ والمُضَارَبةِ.

فصل: وإن دَفَعَ رَجُلٌ بَذْرَه إلى صاحِبِ الأرْضِ، لِيَزْرَعَهُ في أرْضِه، ويكونَ ما يَخْرُجُ بينهما، فهو فاسِدٌ أيضًا؛ لأنَّ البَذْرَ ليس من رَبِّ الأرْضِ، ولا من العامِلِ، ويكونُ الزَّرْعُ لصاحِبِ البَذْرِ، وعليه أجْرُ الأرْضِ والعَمَل. وإن قال صاحِبُ الأرْضِ لِرَجُلٍ: أنا أزْرَعُ الأرْضَ بِبَذْرِى وعَوَامِلِى، ويكونُ سَقْيُها من مائِكَ، والزَّرْعُ بيننا. ففيها رِوَايَتانِ؛ إحْداهما، لا يَصِحُّ. اخْتارَها القاضي؛ لأن مَوْضُوعَ المُزَارَعةِ على أن يكونَ من أحَدِهِما الأرْضُ، ومن الآخَرِ العَمَلُ، وليس من صاحِبِ الماءِ أرْضٌ ولا عَمَلٌ ولا بَذْرٌ، لأنَّ الماءَ لا يُبَاعُ ولا يُسْتَأْجَرُ، فكيف تَصِحُّ المُزَارَعةُ به؟ والثانية، يَصِحُّ. اخْتَارَها أبو بكرٍ، ونَقَلَها عن أحمدَ يَعْقُوبُ ابن بَخْتان (٦)، وحَرْبٌ؛ لأنَّ الماءَ أحَدُ ما يُحْتاجُ إليه في الزَّرْعِ، فجازَ أن يكونَ من أحَدِهِما، كالأرْضِ والعَمَلِ. والأوَّلُ أصَحُّ؛ لأنَّ هذا ليس بمَنْصُوصٍ عليه، ولا في مَعْنَى المَنْصُوصِ؛ لما ذَكَرْناهُ.

فصل: وإن اشْتَرَكَ ثلاثةٌ، من أحَدِهِم الأرْضُ، ومن الآخَرِ البَذْرُ، ومن الآخَرِ البَقَرُ والعَمَلُ، على أنَّ ما رَزَقَ اللهُ بينهم، فعَمِلُوا، فهذا عَقْدٌ فاسِدٌ، نَصَّ عليه، في رِوَايةِ أبى دَاوُدَ، ومُهَنَّا، وأحمدَ بن القاسِمِ، وذكر حَدِيثَ مُجاهِدٍ، في أرْبَعةٍ اشْتَرَكُوا في زَرْعٍ على عَهْدِ رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال أحَدُهُم: عَلَىَّ الفَدَّانُ (٧). وقال الآخَرُ: قِبَلِى (٨) الأرْضُ. وقال الآخَرُ: قِبَلِى (٨) البَذْرُ. وقال الآخَرُ: قِبَلِى (٨) العَمَلُ. فجَعَلَ النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- الزَّرْعَ لِصَاحِبِ البَذْرِ، وألْغَى صاحِبَ الأرْضِ، وجَعَلَ لِصَاحِبِ العَمَلِ كلَّ يومٍ دِرْهَمًا، ولِصَاحِبِ الفَدَّانِ شَيْئًا مَعْلُومًا (٩). فقال أحمدُ: لا يَصِحُّ، والعَمَلُ


(٥) في م: "الشرط الفاسد".
(٦) هو يعقوب بن إسحاق بن بختان. تقدم في: ١/ ٤٤٥.
(٧) الفدان: المحراث.
(٨) في ب: "على".
(٩) أخرجه ابن أبي شيبة، في: باب القوم يشتركون في الزرع، من كتاب البيوع والأقضية. المصنف ٧/ ١٢٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>