للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشَّافعيَّةِ. وقال أكثرُهم: لا يَكْفِيه إلَّا أن يقولَ: عَدْلٌ علىَّ ولِى. واخْتلَفُوا فى تَعْليلِه، فقال بعضُهم: لئلَّا تكونَ بينهما عَداوةٌ أو قَرابةٌ. وقال بعضُهم: لئلَّا يكونَ عَدْلًا فى شىءٍ دون شىءٍ. ولَنا، قولُ اللهِ تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} (٢) فإذا شَهدَا أنَّه عَدْلٌ، ثَبتَ ذلك بشَهادتِهما، فيَدْخلُ ذلك فى عُمومِ الأمرِ، ولأنَّه (٣) إذا كان عَدْلًا، لزِمَ أن يكونَ له وعليه، وفى حقِّ سائرِ الناس، وفى كلِّ شىءٍ، فلا يَحْتاجُ إلى ذِكْرِه. ولا يصِحُّ ما ذكروه؛ فإنَّ الإنْسانَ لا يكونُ عَدْلًا فى شىءٍ دُونَ شىءٍ، ولا فى حَقِّ شَخْصٍ [دون شَخْصٍ] (٤)، فإنَّها لا تُوصَفُ بهذا، ولا تَنْتَفِى أيضا بقولِه: (٥) علىَّ ولِى. فإنَّ مَن ثبتَتْ (٦) عَدالتُه، لم تَزُلْ بقَرابةٍ ولا عَداوَةٍ، وإنَّما تُرَدُّ شهادتُه للتُّهْمَةِ مع كَوْنِه عَدْلًا، ثم إنَّ هذا إذا كان معلومًا انْتِفاؤُه بينهما، لم يَحْتَجْ إلى ذِكْرِه ولا نَفْيِه عن نفسِه، كما لو شهِدَ بالحَقِّ مَن عَرَفَ الحاكمُ عَدالتَه، لم يَحْتَجْ إلى أن يَنْفِىَ عن نفسِه ذلك، ولأنَّ العَداوةَ لا تَمْنَعُ من شَهادتِه له بالتَّزْكِيَةِ، وإنَّما تَمْنَعُ الشهادةَ عليه، وهذا شاهدٌ له بالتَّزْكِيَةِ والعَدالةِ، فلا حاجةَ به إلى نَفْىِ العَداوةِ.

فصل: ولا يَكْفِى أن يقولَ: لا أعْلَمُ منه إلَّا الخَيْرَ. وهذا مذهبُ الشَّافعىِّ. وقال أبو يوسفَ: يَكْفِى؛ لأنَّه إذا كانَ من أهلِ الخِبْرَةِ بِه (٧)، ولا يَعْلَمُ إلَّا الخيرَ، فهو عَدْلٌ. ولَنا، أنَّه لم يُصَرِّحْ بالتَّعْديلِ، فلم يكُنْ تَعْديلًا، كما لو قال: أعْلَمُ منه خيرًا. وما ذكَرُوه لا يَصِحُّ؛ لأنَّ الجاهلَ بحالِ أهلِ الفِسْقِ، لا يَعْلَمُ منهم إلَّا الخيرَ، لأنَّه يعلمُ إسْلامَهم، وهو خيرٌ، ولا يعلمُ منهم غير ذلك، وهم [غيرُ عُدولٍ] (٤).

فصل: قال أصحابُنا: لا يُقْبَلُ التَّعديلُ إلَّا مِن أهلِ الخِبْرةِ الباطِنَةِ، والمعرفةِ


(٢) سورة الطلاق ٢.
(٣) سقطت الواو من: أ، م.
(٤) سقط من: الأصل.
(٥) فى م زيادة: "عدل".
(٦) فى الأصل: "تثبت".
(٧) سقط من: الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>