للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على الأَعْمَى، فكان الأَعْمَى يُنْشِدُ في المَوَاسِمِ (٧):

يَا أَيُّها الناسُ لَقِيت مُنْكَرَا

هل يَعْقِلُ الأَعْمَى الصَّحِيحَ المُبْصِرَا

خَرَّا معًا كِلَاهما تَكَسَّرَا (٨)

وهذا قولُ ابنِ الزُّبَيْرِ، وشُرَيْحٍ، والنَّخَعِىِّ، والشافعىِّ، وإسْحاقَ. ولو قال قائلٌ: ليس على الأَعْمَى ضَمانُ البَصِيرِ؛ لأنَّه الذي قادَه إلى المكانِ الذي وَقَعَا فيه، وكان سَبَبَ وُقُوعِه عليه، ولذلك لو فَعَلَه قَصْدًا لم يَضْمَنْه، بغير خِلافٍ، وكان عليه ضَمانُ الأعْمَى، ولو لم يكُنْ سَبَبًا لم يَلْزَمْه ضَمانٌ بقَصْدِه. لَكان له وَجْهٌ، إلَّا أنْ يكونَ مُجْمَعًا عليه، فلا تجوزُ مُخالَفةُ الإِجْماعِ. ويَحْتَمِلُ أنَّه إنَّما لم يَجِبِ الضَّمانُ على القائِدِ لوَجْهَيْنِ؛ أحدهما، أنَّه مَأْذُونٌ فيه من جِهَةِ الأَعْمَى، فلم يَضْمَنْ ما تَلِفَ به، كما لو حَفَرَ له بِئْرًا في دارِه بإذْنِه، فتَلِفَ بها. الثاني، أنَّه فِعْلٌ مَنْدُوبٌ إليه، مَأْمُورٌ به، فأشْبَهَ ما لو حَفَرَ بِئْرًا في سابِلَةٍ يَنْتَفِعُ بها المسلمونَ، فإنَّه لا يَضْمَنُ ما تَلِفَ بها.

فصل: فإن سَقَطَ رَجُلٌ في بئرٍ، فتَعَلَّقَ بآخَرَ، فوَقَعا معًا، فدَمُ الأوَّلِ هَدْرٌ؛ لأنَّه مات من فِعْلِه، وعلى عاقِلَتِه دِيَةُ الثاني إن مات؛ لأنَّه قَتَلَه بجَذْبَتِه. فإن تعَلَّقَ الثاني بثالثٍ، فماتوا جميعًا، فلا شىءَ على الثالثِ، وعلى عاقلةِ الثاني دِيَتُه (٩)، في أحدِ الوَجْهَيْنِ؛ لأنَّه جَذَبَه وباشَرَه بالجَذْبِ، والمباشرةُ تَقْطَعُ حُكْمَ السَّبَبِ، كالحافرِ مع الدَّافعِ، والثانى دِيَتُه على عاقلةِ الأوَّلِ والثانى نِصْفَيْنِ؛ لأنَّ الأوَّلَ جَذَبَ الثاني الجاذِبَ للثالثِ، فصار مُشارِكًا للثانى في إتْلافِه. ودِيةُ الثاني على عاقلةِ الأوَّلِ، في أحدِ الوَجْهينِ؛


(٧) في ب، م: "الموسم".
(٨) أخرجه الدارقطني، في: كتاب الحدود والديات وغيره. سنن الدارقطني ٣/ ٩٨، ٩٩. والبيهقي، في: باب ما ورد في البئر جبار والمعدن جبار، من كتاب الديات. السنن الكبرى ٨/ ١١٢. وابن أبي شيبة، في: باب القوم يدفع بعضهم بعضا في البئر أو الماء، من كتاب الديات. المصنف ٩/ ٤٠٢.
(٩) في ب: "دية".

<<  <  ج: ص:  >  >>