الوِلَايةِ، والجُمُعةِ، والحَجِّ، والجِهَادِ، وسائِرِ الأحْكامِ التي تَخْتَلِفُ بالرِّقِّ والحُرِّيَّةِ، ولا يَحْصُلُ ذلك إلَّا بإعْتاقِ جَمِيعِه. وهذا التَّفْضِيلُ - واللَّه أعلم - من النبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لِلْغالِيَةِ، إنَّما يكون مع التَّسَاوِى في المَصْلَحةِ، فأما إن تَرجَّحَ بعضُهم بِدينٍ، وعِفَّةٍ، وصَلَاحٍ، ومَصلَحةٍ له في العِتْقِ، بأن يكونَ مَضْرُورًا بالرِّقِّ، وله صَلَاحٌ في العِتْقِ، وغيره له مَصْلَحةٌ في الرِّقِّ، ولا مَصْلَحةَ له في العتْقِ، وربَّما تَضَرَّرَ به، من فَواتِ نَفَقَتِه، وكَفَالَتِه، ومَصَالحِه، وعَجْزِه بعدَ العِتْقِ عن الكَسْبِ، وخُرُوجِه عن الصِّيَانةِ والحِفْظِ، فإنَّ إعْتاقَ مَن كَثُرَت المَصْلَحةُ في إعْتاقِه أفْضَلُ وأوْلَى، وإن قَلَّتْ قِيمَتُه، ولا يَسُوغُ إعْتاقُ مَنْ في إعْتاقِه مَفْسَدَةٌ؛ لأنَّ مَقْصُودَ المُوصِى تَحْصِيلُ الثَّوابِ والأَجْرِ، ولا أجْرَ في إعْتاقِ هذا. ولا يجوزُ أن يُعْتَقَ إلَّا رَقَبةٌ مُسْلِمةً؛ لأنَّ اللهَ تعالى لمَّا قال:{فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ}(٢٨). لم يَتَنَاوَلْ إلَّا المُسْلِمةَ، ومُطْلَقُ كَلَامِ الآدَمِىِّ مَحْمولٌ على مُطْلَقِ كَلَامِ اللَّه تعالى. ولا يجوزُ إعْتاقُ مَعِيبَةٍ عَيْبًا يَمْنَعُ الإِجْزاءَ في الكَفَّارَةِ؛ لما ذَكَرْنا. واللهُ أعْلَمُ.
فصل: ونقَل المَرُّوذِىُّ، عن أحمدَ، في مَن أَوْصَى بثُلثِه في أبْوابِ البِرِّ، يُجَزَّأُ ثَلَاثَةَ أجْزَاءٍ؛ جُزْءٌ في الجِهَادِ، وجُزْءٌ يُتَصدَّقُ به في قَرَابَتِه، وجُزْءٌ في الحَجِّ. وقال في رِوَايةِ أبى دَاوُدَ: الغَزْوُ يُبدَأُ به. وحُكِى عنه أنَّه جَعَلَ جُزءًا في فِدَاءِ الأَسْرَى. وهذا واللهُ أعلمُ ليس على سَبِيلِ اللُّزُومِ والتَّحْدِيدِ، بل يَجُوزُ صَرْفُه في جِهَاتِ البِرِّ كلِّها؛ لأنَّ اللَّفْظَ لِلْعُمُومِ، فيَجِبُ حَمْلُه على عُمُومِه، ولا يَجُوزُ تَخْصِيصُ العُمُومِ بغير دَلِيلٍ، وربَّما كان غيرُ هذه الجِهَاتِ أحْوَجَ من بعضِها وأحَقَّ، وقد تَدْعُو الحاجَةُ إلْى تكْفِينِ مَيتٍ، وإصْلَاحِ طَرِيقٍ، وفَكِّ أسِيرٍ، وإعْتاقِ رَقَبةٍ، وقَضَاءِ دَيْنٍ، وإغَاثةِ مَلْهُوفٍ، أكْثَر من دُعَائِها إلى حَجِّ مَنْ لا يَجِب عليه الحَجُّ، فيُكَلّفُ وُجُوبَ ما لم يكُنْ عليه واجِبًا وتَعَبًا كان اللهُ قد أرَاحَه منه، من غيرِ مَصْلَحةٍ تَعُودُ على أحدٍ من خَلْقِ اللَّه، فتَقْدِيمُ هذا على ما مَصْلَحَتُه ظاهِرَةٌ، والحاجَةُ إليه داعِيةٌ، بغيرِ دَلِيلٍ، تَحَكُّمٍ لا مَعْنَى له. وإذا قال: