للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولأنَّ عُمرَ وعليًّا قضَيا فيهما بالدِّيَةِ (٣). فإن قيل: فقدْ رُوِىَ عن أبي بكرٍ، رَضِىَ اللهُ عنه، أنَّه قَضَى في الأُذُنِ بخَمْسةَ عَشَرَ بعيرًا (٤). قُلْنا: لم يثْبُتْ ذلك. قالَه ابنُ المُنْذِرِ. ولأنَّ ما كانَ في البدَنِ منه عُضْوانِ، كان فيهما الدِّيَةُ، كاليدينِ، وفى إحْداهما نِصْفُ الدِّيَةِ، بغيرِ خِلافٍ بين القائلينَ بوُجوبِ الدِّيَةِ فيهما، ولأنَّ كلَّ عُضْوينِ وَجَبتِ الدِّيَةُ فيهما، وجبَ في أحدِهما نصفُها، كاليَدَيْنِ، وإنْ قَطَعَ بعضَ إحْداهما، وجَبَ بقدْرِ ما قَطَعَ من دِيَتِها، ففى نصفِها نصفُ دِيَتِها، وفي رُبعِها رُبعُها، وعلى هذا الحسابُ، سواءٌ قَطَعَ من أعْلَى الأُذُنِ أو أسْفلِها، أو اخْتَلفَ في الجمالِ، أو لم يخْتلِفْ، كما أنَّ الأسنانَ والأصابعَ تخْتلِفُ في الجمالِ والمَنْفَعةِ، ودياتُها سَواءٌ. وقد رُوِىَ عن أحمدَ، رَحمه اللهُ؛ أنَّ (٥) في شَحْمةِ الأُذُنِ ثُلثَ الدِّيَةِ. والمذهبُ. الأوَّلُ. وتجبُ الدِّيَةُ في أُذُنِ الأصَمِّ؛ لأنَّ الصَّمَمَ نَقْصٌ في غيرِ الأذُنِ، فلم يُؤثِّرْ في دِيَتِها. كالعَمَى لا يُؤَثِّرُ في دِيَةِ الأجْفانَ. وهذا قولُ الشافعىِّ. ولا أعلمُ فيه مُخالِفًا.

فصل: فإنْ جَنَى على أُذُنِه فاسْتحْشَفَتْ، واسْتحْشافُها كشللِ سائرِ الأعضاءِ، ففيها حُكومةٌ. وهذا أحدُ قَوْلَىِ الشافعىِّ. وقال في الآخرِ: في ذلك دِيَتُها؛ لأنَّ ما وجبَتْ دِيَتُه بقَطْعِه، وجَبتْ بشَلَلِه، كاليَدِ والرِّجْلِ. ولَنا، أنَّ نفْعَها باقٍ بعدَ استحْشَافِها وجَمالَها، فإنَّ نفْعَها جَمْعُ الصَّوْتِ، ومَنْعُ دخُولِ الماءِ والهَوامِّ في صِمَاخِه، وهذا باقٍ بعدَ شَلَلِها، فإنْ قَطَعَها قاطعٌ بعدَ اسْتِحْشَافِها، ففيها دِيَتُها؛ لأنَّه قَطَعَ أُذُنًا فيها جَمالُها ونَفْعُها، فوجَبتْ دِيَتُها كالصَّحيحةِ، وكما لو قلعَ عَيْنًا عَمْشاءَ أو حوْلاءَ.

١٤٨٦ - مسألة؛ قال: (وَفِى السَّمْعِ إذَا ذَهَبَ مِنَ الْأُذُنَيْنِ الدِّيَةُ)

لا خلافَ في هذا. قال ابنُ المُنْذِرِ: أجْمَعَ عوامُّ أهْلِ العلْمِ، على أنَّ في السَّمْعِ


(٣) أخرجه البيهقي، في: باب الأذنين، من كتاب الديات. السنن الكبرى ٨/ ٨٥. وعبد الرزاق، في: باب الأذن، من كتاب العقول. المصنف ٩/ ٣٢٣. وابن أبي شيبة، في: باب الأذن ما فيها من الدية، من كتاب الديات. المصنف ٩/ ١٥٣.
(٤) أخرجه عبد الرزاق، في: باب الأذن، من كتاب العقول. المصنف ٩/ ٣٢٣، ٣٢٤.
(٥) سقط من: م.

<<  <  ج: ص:  >  >>