للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المُسْلِمونَ؟ نَظَرْنا، فإن وُجِدَتْ قَرِينَةٌ دالَّةٌ على دُخُولِهِم، مثل أن لا يكونَ في القَرْيةِ إلَّا مُسْلِمُونَ، دَخَلُوا في الوَصِيَّةِ، وكذلك إن لم يكُنْ فيها إلَّا كافِرٌ واحدٌ، وسائِرُ أهْلِها مُسْلِمُونَ، وإن انْتَفَتِ القَرَائِنُ، ففى دُخُولِهِم وَجْهانِ؛ أحدهما، لا يَدْخُلُونَ، كما لم يَدْخُل الكُفَّارُ في وَصِيَّةِ المُسْلِمِ. والثانى، يَدْخُلُونَ؛ لأنَّ عُمُومَ اللَّفْظِ يَتَناوَلُهُم، وهم أحَقُّ بوَصِيَّتِه من غيرِهم، فلا يُصْرَفُ اللَّفْظُ عن مُقْتَضاه، ومن هو أحَقُّ بحُكْمِه إلى غيرِه. وإن كان في القَرْية كافِرٌ من غيرِ أهْلِ دِينِ المُوصِى، لم يَدْخُلْ في وَصِيَّتِه؛ لأنَّ قَرِينةَ حالِ المُوصِى تُخْرِجُه، ولم يُوجَدْ فيه ما وُجِدَ في المُسْلِمِ من الأَوْلَوِيَّةِ، فبَقِىَ خارِجًا بحالِه. ويَحْتَمِلُ أن لا يَخْرُجَ، بِنَاءً على تَوْرِيثِ الكُفَّارِ بعضِهم من بعضٍ مع (٦) اخْتِلافِ دِينهم.

٩٧٤ - مسألة؛ قال: (وَمَنْ أَوْصَى بِكُلِّ مَالِهِ، وَلَا عَصَبَةَ لَهُ، وَلَا مَوْلًى لَهُ (١)، فجائِزٌ. وقَدْ رُوِىَ عَنْ أبِى عَبْدِ اللهِ، رَحِمَهُ اللهُ، روَايةٌ أُخْرَى: لَا يَجُوزُ إلَّا الثُّلُثُ)

اختلفت الرِّوَايةُ عن أحمدَ، رَحِمَه اللَّه، في مَن لم يَخْلُفْ من وُرَّاثِهِ عَصَبَةً، ولا ذا فَرْضٍ، فرُوِى عنه أنَّ وَصِيَّتَه جائِزَةٌ بكلِّ مالِه، ثَبَتَ هذا عن ابنِ مَسعودٍ، وبه قال عَبِيدَة السَّلْمانِيُّ ومَسْرُوقٌ، وإسحاقُ، وأهْلُ العِرَاقِ. والرِّوَايةُ الأُخْرَى: لا يَجُوزُ إلَّا الثُّلُثُ. وبه قال مالِكٌ، والأوْزاعِيُّ، وابنُ شُبْرُمَةَ، والشافِعِيُّ، والعَنْبَرِيُّ؛ لأنَّ له مَن يَعْقِلُ عنه، فلم تَنْفُذْ وَصِيَّتُه في أكْثَرَ من ثُلُثِه، كما لو تَرَكَ وارِثًا. ولَنا، أنَّ المَنْعَ من الزِّيَادةِ على الثُّلُثِ إنَّما كان لِتَعَلُّقِ حَقِّ الوَرَثةِ به (٢)، بِدَلِيلِ قولِ النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنَّكَ أنْ تَدَعَ وَرَثَتَكَ أَغْنِياءَ، خَيْرٌ مِنْ أنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً يتَكَفَّفُونَ النَّاسَ" (٣). وههُنا


(٦) في أ، م: "على".
(١) سقط من: الأصل، أ.
(٢) سقط من: أ، م.
(٣) تقدم تخريجه في: ٦/ ٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>