للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أو قَرَابَتِه، دَخَلَ فيه المُسْلِمُ والكافِرُ، فكذلك المُسْلِمُ. ولَنا، أنَّ اللَّه تعالى قال: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} (٢). فلم يَدْخُلْ فيه الكُفَّارُ إذا كان المَيِّتُ مُسْلِمًا، وإذا لم يَدْخُلُوا في وَصِيَّةِ اللهِ تعالى، مع عُمُومِ اللَّفْظِ، فكذلك في وَصِيَّةِ المُسْلِمِ، ولأنَّ ظاهِرَ حالِه أنَّه لا يُرِيدُ الكُفَّارَ، لما بينَه وبينَهم من عَدَاوةِ الدِّينِ، وعَدَمِ الوُصْلَةِ، المانِعِ من المِيرَاثِ، ووُجُوبِ النَّفَقةِ على فَقِيرهِم، ولذلك خَرَجُوا من عُمُومِ اللَّفْظِ في الأَوْلادِ والإِخْوَةِ والأَزْواجِ، وسائِرِ الأَلْفاظِ العامَّةِ في المِيرَاثِ، فكذا ههُنا، لأنَّ الوَصِيّةَ أُجْرِيَتْ مُجْرَى المِيرَاثِ. وإن صَرَّحَ بهم، دَخَلُوا في الوَصِيَّةِ؛ لأنَّ صَرِيحَ (٣) المَقَالِ لا يُعَارَضُ بِقَرِينةِ الحالِ. وإن وَصَّى لهم وَأهْلُ القَرْيةِ كلُّهم كُفّارٌ، أو أَوْصَى لِقَرَابَتِه، وكلُّهم (٤) كُفَّارٌ، دَخَلُوا في الوَصِيَّةِ؛ لأنَّه لا يُمْكِنُ تَخْصِيصُهُم، إذْ في إخْرَاجِهِم رَفْعُ اللَّفْظِ بالكلِّيَّةِ. وإن كان فيها مُسْلِمٌ واحدٌ، والباقِى كُفّارٌ، دَخَلُوا في الوَصِيَّةِ؛ لأنَّ إخْرَاجَهُم بالتَّخْصِيصِ ههُنا بَعِيدٌ، وفيه مُخَالَفَةُ الظَّاهِرِ من وَجْهَيْنِ؛ أحدهما، مُخَالَفَةُ لَفْظِ العُمُومِ. والثانى، حَمْلُ اللَّفْظِ الدّالِّ على الجَمْعِ على المُفْرَدِ (٥). وإن كان أكْثَرُ أهْلِها كُفَّارًا، فظاهِرُ كَلَامِ الخِرَقِىِّ أنَّه لِلْمُسْلِمينَ؛ لأنَّه أمْكَنَ حَمْلُ اللَّفْظِ عليهم، وصَرْفُه إليهم، والتَّخْصِيصُ يَصِحُّ وإن كان بإخْراجِ الأَكْثَرِ. ويَحْتَمِلُ أنْ يَدْخُلَ الكُفَّارُ في الوَصِيَّةِ؛ لأنَّ التَّخْصِيصَ في مثلِ هذا بَعِيدٌ، فإنَّ تَخْصِيصَ الصُّورَةِ النادِرَةِ قَرِيبٌ، وتَخْصِيصَ الأَكْثَرِ بَعِيدٌ يُحْتاجُ فيه إلى دَليلٍ قَوِىٍّ. والحُكْمُ في سائِرِ أَلْفاظِ العُمُومِ، مثل أن يُوصِىَ لإِخْوَتِه، أو عُمُومَتِه، أو بَنِى عَمِّه، أو لِلْيَتامَى، أو لِلْمَساكِينِ، كالَحُكْمِ فيما إذا أوْصَى لأَهْلِ قَرْيَتِه. فأمَّا إن أوْصَى بذلك كافِرٌ، فإنَّ وَصيَّتهُ تَتَناوَلُ أهْلَ دِينِه؛ لأنَّ لَفْظَه يَتَنَاوَلُهُم، وقَرِينَةُ حالهِ إرَادَتُهُم، فأشْبَهَ وَصِيّةَ المُسْلِم التي يَدْخُلُ فيها أهْلُ دِينِه. وهل يَدْخُلُ في وَصِيَّتِه


(٢) سورة النساء ١١.
(٣) في الأصل: "تصريح".
(٤) في الأصل: "وجميعهم".
(٥) في م: "المفردة".

<<  <  ج: ص:  >  >>