للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيها. وقد رَوَى حَرْبٌ أنَّ أحمدَ سُئِلَ عن أصْحابِ (١٠) البِدَعِ، هل لهم شُفْعةٌ، ويُرْوَى عن ابن إدْرِيسَ، أنَّه قال: ليس للرَّافِضَةِ شُفْعةٌ؟ فضَحِكَ، وقال: أرادَ أن يُخْرِجَهُم من الإِسْلامِ. فظاهِرُ هذا أنَّه أثْبَتَ لهم الشُّفْعةَ. وهذا مَحْمُولٌ على غيرِ الغُلَاةِ منهم، وأَمَّا من غَلَا (١١)، كالمُعْتَقِدِ أنَّ جِبْرِيل غَلِطَ في الرِّسَالةِ فجاء إلى النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وإنَّما أُرْسِلَ إلى عَلِىٍّ، ونحوِه، ومَن حُكِمَ بكُفْرِه من الدُّعَاةِ إلى القَوْلِ بِخَلْق القُرْآنِ، فلا شُفْعةَ له؛ لأنَّ الشُّفْعةَ إذا لم تَثْبُتْ لِلذِّمِّىِّ الذي يُقَرُّ على كُفْرِه، فغيرُه أَوْلَى.

فصل: وَتَثْبُتُ الشُّفْعةُ لِلْبَدَوِيِّ على القَرَوِيِّ، وللقَرَوِيِّ على البَدَوِيِّ. في قولِ أَكْثَر أهْلِ العِلْمِ. وقال الشَّعْبِىُّ والْبَتِّىُّ: لا شُفْعةَ لمَن لم يَسْكُنِ المِصْرَ. ولَنا، عُمُومُ الأدِلَّةِ، واشْتِرَاكُهُما في المَعْنَى المُقْتَضِى لِوُجُوبِ الشُّفْعةِ.

فصل: قال أحمدُ، في رِوَايَةِ حَنْبلٍ: لا نَرَى في أَرْضِ السَّوَادِ شُفْعةً؛ وذلك لأنَّ أرْضَ السَّوادِ مَوْقُوفَةٌ، وَقَفَها عُمَرُ رَضِىَ اللهُ عنه على المُسْلِمِينَ، ولا يَصِحُّ بَيْعُها، والشُّفعَةُ إنَّما تكونُ في البَيْعِ. وكذلك الحُكمُ في سائِرِ الأرْضِ التي وَقَفَها عمَرُ رَضِىَ اللَّه عنه، وهى التي فُتِحَتْ عَنْوَةً في زَمَنِه، ولم يُقَسِّمْها، كأرْضِ الشَّامِ، وأَرْضِ مِصْرَ. وكذلك كلُّ أَرْضٍ فُتِحَتْ عَنْوَةً، ولم تُقَسَّمْ بين الغانِمِينَ، إلَّا أن يَحْكُمَ بِبَيْعِ ذلك حاكِمٌ، أو يَفعَلُه الإِمامُ أو نائِبُه، فإن فَعَلَ ذلك، ثَبَتَتْ فيه الشُّفْعةُ؛ لأنَّه فَصْلٌ مُخْتَلَفٌ فيه، ومتى حَكَمَ الحاكِمُ في المُخْتَلَفِ فيه بشيءٍ، نَفَذَ حُكْمُه. واللَّه أعلمُ.


(١٠) في ب: "أهل".
(١١) في ب: "غالى منهم".

<<  <  ج: ص:  >  >>