للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الآخَرِ، ولأنَّه إزَالَةُ مِلْكٍ يَمْنَعُ البَيْعَ والهِبَةَ والمِيرَاثَ، فلم يُعْتَبَرْ فيه القَبُولُ، كالعِتْقِ، وبهذا فارَقَ الهِبَةَ والوَصِيَّةَ. والفَرْقُ بينه وبين الهِبَةِ والوَصِيَّةِ، أنَّ الوَقْفَ لا يَخْتَصُّ المُعَيَّنَ، بل يَتَعَلَّقُ به حَقُّ من يَأْتِى من البُطُونِ في المُسْتَقْبَلِ، فيكونُ الوَقْفُ على جَمِيعِهِم، إلَّا أنَّه مُرَتَّبٌ، فصار بمَنْزِلَةِ الوَقْفِ على الفُقَرَاءِ الذي لا يَبْطُلُ بِرَدِّ واحدٍ منهم، ولا يَقِفُ على قَبُولِه، والوَصِيَّةُ لِلْمُعَيَّنِ بِخِلَافِه. وهذا مذهبُ الشافِعِىِّ. فإذا قُلْنا: لا يَفْتَقِرُ إلى القَبُولِ. لم يَبْطُلْ بِرَدِّه، وكان رَدُّه وقَبُولُه وعَدَمُهُما واحِدًا، كالعِتْقِ. وإن قُلْنا: يَفْتَقِرُ إلى القَبُولِ. فرَدَّه مَن وُقِفَ عليه، بَطَلَ في حَقِّه، وصارَ كالوَقْفِ المُنْقَطِعِ الابْتِدَاءِ. يُخَرَّجُ في صِحَّتِه في حَقِّ مَن سِوَاه وبُطْلَانِه وَجْهَانِ، بِنَاءً على تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ. فإن قُلْنا بِصِحَّتِه، فهل يَنْتَقِلُ في الحالِ إلى مَنْ بعدَه، أو يُصْرَفُ في الحالِ إلى مَصْرِفٍ في (٣) الوَقْفِ المُنْقَطِعِ إلى أن يَمُوتَ الذي رَدَّه، ثم يَنْتَقِلُ إلى مَنْ بعدَه؟ على وَجْهَيْنِ. وسَنَذْكُرُ ذلك في الوَقْفِ المُنْقَطِعِ الابْتِدَاءِ، إن شاءَ اللهُ تعالى.

فصل: ويَنْتَقِلُ المِلْكُ في المَوْقُوفِ إلى المَوْقُوفِ عليهم، في ظاهِرِ المذهبِ. قال أحمدُ: إذا وَقَفَ دَارَه على وَلَدِ أخِيهِ، صارَتْ لهم. وهذا يَدُلُّ على أنَّهم مَلَكُوه، ورُوِى عن أحمدَ، أنَّه لا يُمْلَكُ، فإنَّ جَمَاعةً نَقَلُوا عنه، في مَن وَقَفَ على وَرَثَتِه في مَرَضِه: يجوزُ؛ لأنَّه لا يُبَاعُ ولا يُورَثُ، ولا يَصِيرُ مِلْكًا لِلْوَرَثةِ، وإنما يَنْتَفِعُونَ بغَلَّتِها. وهذا يَدُلُّ بظاهِرِه على أنَّهم لا يَمْلِكُونَ. ويَحْتَمِلُ أن يُرِيدَ بقولِه لا يَمْلِكُونَ، أَنْ لا يَمْلِكُونَ التَّصَرُّفَ في الرَّقَبَةِ، فإنَّ فائِدَةَ المِلْكِ وآثارَه ثابِتَةٌ في الوَقْفِ. وعن الشافِعِىِّ من الاخْتِلَافِ نحوُ ما حَكَيْناه. وقال أبو حنيفةَ: لا يَنْتَقِلُ المِلْكُ في الوَقْفِ اللَّازِمِ، بل يكونُ حَقًّا للَّه تعالى؛ لأنَّه إزَالَةُ مِلْكٍ عن العَيْنِ والمَنْفَعةِ على وَجْهِ القُرْبَةِ، بِتَمْلِيكِ المَنْفَعةِ، فانْتَقَلَ المِلْكُ إلى اللَّه تعالى، كالعِتْقِ. ولَنا، أنَّه (٤) سَبَبٌ يُزِيلُ مِلْكَ الواقِفِ، وُجِدَ إلى مَنْ يَصِحُّ تَمْلِيكُه على وَجْهٍ لم يُخْرِج المالَ عن مَالِيَّتِه، فوَجَبَ أن


(٣) سقط من: الأصل.
(٤) في م: "أن".

<<  <  ج: ص:  >  >>