فصل: إذا تَلِفَ المالُ قبلَ الشِّرَاءِ انْفَسَخَتِ المُضَارَبةُ؛ لِزَوَالِ المالِ الذي تَعَلَّقَ العَقْدُ به، وما اشْتَراهُ بعد ذلك لِلْمُضَارَبةِ، فهو لازِمٌ له، والثَّمَنُ عليه، سواءٌ عَلِمَ بتَلَفِ المالِ قبلَ نَقْدِ الثَّمَنِ أو جَهِلَ ذلك. وهل يَقِفُ على إِجَازَةِ رَبِّ المالِ؟ على رِوَايَتَيْنِ؛ إحداهما، إن أجَازَهُ، فالثَّمَنُ عليه، والمُضَارَبةُ بحَالِها. وإن لم يُجِزْه، لَزِمَ العامِلَ. والثانية، هو لِلْعامِلِ على كلِّ حالٍ. فإن اشْتَرَى للمُضارَبةِ شيئا، فتَلِفَ المالُ قبلَ نَقْدِه، فالشِّرَاءُ لِلمُضَارَبةِ، وعَقْدُها باقٍ، ويَلْزَمُ رَبَّ المالِ الثَّمَنُ، ويَصِيرُ رَأْسُ المالِ الثَّمَنَ دُونَ التَّالِفِ؛ لأنَّ الأَوَّلَ تَلِفَ قبلَ التَّصَرُّفِ فيه. وهذا قَوْلُ بعضِ الشَّافِعِيّةِ. ومنهم مَن قال: رَأْسُ المالِ هذا والتَّالِفُ. وحُكِىَ ذلك عن أبي حنيفةَ، ومحمدِ بن الحَسَنِ. ولَنا، أنَّ التَّالِفَ تَلِفَ قبلَ التَّصَرُّفِ فيه، فلم يكُنْ من رَأْسِ المالِ، كما لو تَلِفَ قبلَ الشِّرَاءِ. ولو اشْتَرَى عَبْدَيْنِ بمالِ المُضَارَبةِ، فتَلِفَ أحَدُ العَبْدَيْنِ، كان تَلَفُه من الرَّبْحِ، ولم يَنْقُصْ رَأْسُ المالِ بِتَلَفِه؛ لأنَّه تَلِفَ بعدَ التَّصَرُّفِ فيه. وإن تَلِفَ العَبْدان كِلَاهما، انْفَسَخَتِ المُضَارَبةُ؛ لِزَوَالِ مَالِها كلِّه. فإن دَفَعَ إليه رَبُّ المالِ بعدَ ذلك ألْفًا، كان الأَلْفُ رَأْسَ المالِ، ولم يُضَمَّ إلى المُضَارَبةِ الأُولَى؛ لأنَّها انْفَسَخَتْ لذَهَابِ مَالِها.
وجُمْلَتُه أنَّه متى شَرَطَ على المُضَارِبِ ضَمانَ المالِ، أو سَهْمًا من الوَضِيعَةِ، فالشَّرْطُ باطِلٌ. لا نَعْلَمُ فيه خِلَافًا، والعَقْدُ صَحِيحٌ. نَصَّ عليه أحمدُ. وهو قولُ أبى حنيفةَ، ومالِكٍ. ورُوِىَ عن أحمدَ أنَّ العَقْدَ يَفْسُدُ به. وحُكِىَ ذلك عن الشّافِعِىِّ؛ لأنَّه شَرْطٌ فاسِدٌ، فأفْسَدَ المُضَاربةَ، كما لو شَرَطَ لأحَدِهما فَضْلَ دَرَاهِم. والمذهبُ الأَوَّلُ. ولَنا، أنَّه شَرْطٌ لا يُؤَثِّرُ في جَهَالةِ الرِّبْحِ، فلم يَفْسُدْ به، كما لو شَرَطَ لُزُومَ المُضَارَبةِ. ويُفارِقُ شَرْطَ الدَّرَاهِم؛ لأنَّه إذا فَسَدَ الشَّرْطُ ثَبَتَتْ حِصَّةُ كلِّ واحدٍ منهما من (١) الرِّبْحِ مَجْهُولَةً.