للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثاني، تعلَّقتْ قِيمةُ القتيلِ الثاني برَقَبتِه أيضًا، ويُباعُ فيهما، ويُقْسَمُ ثَمنُه على قَدْرِ القِيمتَيْنِ، ولم نُقَدِّم الأوَّلَ بالقِيمةِ، كما قَدَّمناه بالقِصاصِ؛ لأنَّ القِصاصَ لا يتَبَعَّضُ بينهما، والقِيمةُ يُمْكِنُ تبعُّضُها (٢٣). فإن قِيلَ: فحَقُّ الأوَّلِ أسْبَقُ. قُلْنا: لا يُرَاعَى السَّبْقُ، كما لو أتلَفَ أمْوالًا (٢٤) لجماعةٍ، واحدًا بعدَ واحدٍ. فأمَّا إن قَتَلَ العبدُ عَبْدًا بين شَرِيكَيْنِ كان لهما القِصاصُ والعَفْوُ، فإن عَفَا أحدُهما، سَقَطَ القِصاصُ، ويَنْتقِلُ حَقُّهما إلى القِيمةِ؛ لأنَّ القِصاصَ لا يتَبَعَّضُ. وإن قَتَلَ عَبْدَينِ لرَجُلٍ واحدٍ، فله أن يَقْتَصَّ منه لأحَدِهما، أيِّهما كان، ويَسْقُطُ حَقُّه من الآخَرِ، وله أن يَعْفُوَ عنه (٢٥) إلى مالٍ، وتتَعَلَّقُ قِيمَتُهما (٢٦) جميعًا برَقَبَتِه.

فصل: ويُقْتَلُ العَبْدُ القِنُّ بالمُكاتَبِ، والمُكاتَبُ به، ويُقْتَلُ كلُّ واحدٍ منهما بالمُدَبَّرِ وأُمِّ الولدِ، ويُقْتَلُ المُدَبَّرُ وأمُّ الولدِ بكلِّ واحدٍ منهما؛ لأنَّ الكلَّ عبيدٌ، فيَدْخُلون في عُمُومِ قوله تعالى: {وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ}. وقد دَلَّ على كَوْنِ المُكاتَبِ عبدًا قولُ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "المُكاتَبُ عَبْدٌ، مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ" (٢٧). وسواءٌ كان المُكاتَبُ قد أدَّى من كِتابَتِه شيئًا، أو لم يُؤَدِّ، وسواءٌ مَلَكَ ما يُؤَدِّى، أو لم يَمْلِكْ، إلَّا إذا قُلْنا: إنَّه إذا مَلَكَ ما يُؤَدِّى فقد صار حُرًّا. فإنَّه لا يُقْتَلُ بالعَبْدِ؛ لأنَّه حُرٌّ، فلا يُقْتَلُ بالعَبْدِ. وإن أدَّى ثلاثةَ أرْباعِ مالِ الكِتابةِ، لم يُقْتَلْ به أيضًا؛ لأنَّه يَصِيرُ حُرًّا، ومَنْ لم يَحْكُمْ بحُرِّيَّتِه إلَّا بأداءِ جميعِ الكِتابةِ، أَجَازَ قَتْلَهُ به. وقال أبو حنيفةَ: إذا قَتَلَ العبدُ مُكاتَبًا، له وفاءٌ ووارِثٌ سِوَى مَوْلاهُ، لم يُقْتَلْ به؛ لأنَّه حين الجَرْحِ كان المُسْتَحِقُّ المَوْلَى، وحين الموتِ الوارثَ، ولا يَجِبُ القِصاصُ إلَّا لمن يَثْبُتُ حَقُّه في الطَّرفَيْنِ. ولَنا، قولُه تعالى: {النَّفْسَ بالنَّفْسِ}. وقوله تعالى: {الْعَبْدُ بِالْعَبْدِ}. ولأنَّه لو كان قِنًّا، لَوَجَبَ بقَتْلِه


(٢٣) في الأصل: "تبعيضها".
(٢٤) سقط من: الأصل.
(٢٥) سقط من: ب.
(٢٦) في ب، م: "قيمتها".
(٢٧) تقدم تخريجه، في: ٩/ ١٢٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>