للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن لم يَأْخُذ الوَلِىُّ، انْتُظِرَ بُلُوغُ الصَّبِىِّ، كما يُنْتَظَرُ قُدُومُ الغائِبِ. وما ذَكَرُوه من الضَّرَرِ في الانْتِظارِ، يَبْطُلُ بالغائِبِ. إذا ثَبَتَ هذا، فإنَّ ظاهِرَ قولِ الخِرَقِىِّ، أنَّ لِلصَّغِيرِ إذا كَبِرَ الأَخْذَ بها، سواءٌ عَفَا عنها الوَلِىُّ أو لم يَعْفُ، وسواءٌ كان الحَظُّ (٤) في الأَخْذِ بها، أو في تَرْكِهَا. وهو ظاهِرُ كلامِ أحمدَ، في رِوَايةِ ابن مَنْصُورٍ: له الشُّفْعةُ إذا بَلَغ فاخْتَارَ. ولم يُفَرِّقْ. وهذا قولُ الأَوْزَاعِىِّ، وزُفَرَ، ومحمد بن الحَسَنِ، وحَكَاه بعضُ أصْحابِ الشّافِعِىِّ عنه؛ لأنَّ المُسْتَحِقَّ لِلشُّفْعةِ يَمْلِكُ الأَخْذَ بها، سواءٌ كان له الحَظُّ فيها (٤) أو لم يكنْ، فلم يَسْقُطْ بِتَرْكِ غيرِه، كالغائِبِ إذا تَرَكَ وَكِيلُه الأَخْذَ بها. وقال أبو عبد اللهِ ابن حامِدٍ: إن تَرَكَها الوَلِىُّ لِحَظِّ الصَّبِىِّ، أو لأنَّه ليس لِلصَّبِىِّ ما يَأْخُذُها به، سَقَطَتْ. وهذا ظاهِرُ (٥) مذهبِ الشَّافِعِىِّ؛ لأنَّ الوَلِىَّ فَعَلَ مالَه فعْلُه، فلم يَجُزْ لِلصَّبِىِّ نَقْضُه، كالرَّدِّ بالعَيْبِ، ولأنَّه فَعَلَ ما فيه الحَظُّ لِلصَّبِىِّ، فصَحَّ، كالأَخذِ مع الحَظِّ. وإن تَرَكَها لغيرِ ذلك، لم تَسْقُطْ. وقال أبو حنيفةَ: تَسْقُطُ بِعَفْوِ الوَلِىِّ عنها في الحالَيْنِ؛ لأنَّ مَن مَلَكَ الأخْذَ بها مَلَكَ العَفْوَ عنها، كالمالِكِ. وخَالَفَه صاحِبَاهُ في هذا؛ لأنَّه أسْقَطَ حَقًّا لِلمُوَلَّى عليه، ولا (٦) حَظَّ له في إسْقَاطِه، فلم يَصِحَّ، كالإِبْراءِ، وإسْقَاطِ خِيَارِ الرَّدِّ بالعَيْبِ. ولا يَصِحُّ قِيَاسُ الوَلِىِّ على المالِكِ؛ لأنَّ لِلْمالِكِ التَّبَرُّعَ والإِبْراءَ وما لا حَظَّ له فيه، بِخِلَافِ الوَلِىِّ.

فصل: فأمَّا الوَلِىُّ، فإنَّ كان لِلصَّبِىِّ حَظٌّ في الأخْذِ بها، مثل أن يكونَ الشِّرَاءُ رَخِيصًا، أو بِثَمَنِ المِثْلِ ولِلصَّبِىِّ مالٌ لِشِرَاءِ العَقَارِ، لَزِمَ وَلِيَّه الأَخْذُ بالشُّفْعةِ؛ لأنَّ عليه الاحْتِيَاطَ له، والأَخْذَ بما فيه الحَظُّ، فإذا أخَذَ بها، ثَبَتَ المِلْكُ لِلصَّبِىِّ، ولم يَمْلِكْ نَقْضَه بعدَ البُلُوغِ، في قولِ أكْثَرِ أَهْلِ العِلْمِ، منهم مالِكٌ، والشَّافِعِىُّ، وأصْحابُ الرَّأْى. وقال الأوْزاعِىُّ: ليس لِلْوَلِىِّ الأخْذُ بها؛ لأنَّه لا يَمْلِكُ العَفْوَ عنها، فلا يَمْلِكُ


(٤) سقط من: م.
(٥) سقط من: ب.
(٦) في م: "لا".

<<  <  ج: ص:  >  >>