للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

له حالُ جُنونٍ، فالقولُ قولُ الوَلِيِّ؛ لأنَّ الأصْل السَّلامةُ، وكذلك إن عُرِفَ له جُنونٌ، ثم عُلِمَ زَوَالُه قبلَ القَتْلِ، وإن ثَبَتَتْ لأحَدِهما بَيِّنةٌ بما ادَّعاه (٢)، حُكِمَ له. وإن أقاما بَيِّنتَينِ تعارَضَتَا، فإن شَهِدَتِ البَيِّنةُ أنَّه كان زائلَ العَقْلِ، وقال (٣) الوَلِيُّ: كنتَ سَكْرانَ. وقال القاتلُ (٤): كنتُ مَجْنونًا. فالقولُ قولُ القاتلِ مع يَمِينِه؛ لأنَّه أعْرَفُ بنَفْسِه، ولأنَّ الأصْلَ براءةُ ذِمَّتِه، واجْتِنابُ المسلمِ فِعْلَ ما يَحْرُمُ عليه.

فصل: فإن قَتَلَه وهو عاقلٌ، ثم جُنَّ، لم يَسْقُطْ عنه القِصاصُ، سواءٌ ثَبَتَ ذلك عليه (٥) ببَيِّنَةٍ أو إقْرارٍ؛ لأنَّ رُجُوعَه غيرُ مَقْبولٍ، ويُقْتَصُّ منه في حالِ جُنُونِه. ولو ثَبَتَ عليه الحدُّ بإقْرارِه، ثم جُنَّ لم يُقَمْ عليه حالَ جُنُونِه؛ لأنَّ رُجُوعَه يُقْبَلُ، فيَحْتَمِلُ أنَّه لو كان صَحِيحًا رَجَعَ.

فصل: ويجبُ القِصاصُ على السَّكْرانِ إذا قَتَل حالَ سُكْرِه. ذَكَره القاضي، وذكرَ أبو الخَطَّابِ، أنَّ وُجُوبَ القِصاصِ عليه مَبْنِيٌّ على وُقُوعِ طَلَاقِه، وفيه رِوَايتان، فيكونُ في وُجُوبِ القِصاصِ عليه وَجْهانِ؛ أحدهما، لا يجبُ عليه؛ لأنَّه زائِلُ العَقْلِ، أشْبَهَ المَجْنُونَ، ولأنَّه غيرُ مَكَلَّفٍ، أشْبَهَ (٦) الصَّبِيَّ والمَجْنونَ. ولَنا، أنَّ الصحابةَ، رضِيَ اللهُ عنهم، أقامُوا سُكْرَه مُقامَ (٧) قَذْفِه، فأوْجَبُوا عليه حَدَّ القاذِفِ، فلولا أنَّ قَذْفَه مُوجِبٌ للحَدِّ عليه، لما وَجَبَ الحَدُّ (٨) بمَظِنَّتِه، وإذا وَجَبَ الحَدُّ، فالقِصاصُ المتَمَحِّضُ حَقَّ آدَمِيٍّ أَوْلَى، ولأنَّه حُكْمٌ لو لم يَجِب عليه (٤) القِصاصُ والحَدُّ، لأَفْضَى إلى أنَّ مَنْ أراد أن يَعْصِىَ اللَّه تعالى، شَرِبَ ما يُسْكِرُه، ثم يَقْتُلُ ويَزْنِى ويَسْرِقُ، ولا يَلْزَمُه عُقُوبةٌ [ولا مَأْثَمٌ، ويَصِيرُ عِصْيانُه سَبَبًا لسُقُوطِ عُقُوبةِ] (٩) الدُّنيْا والآخِرَةِ عنه، ولا وَجْهَ لهذا.


(٢) في ب: "ادعا".
(٣) في ب، م: "فقال القاتل".
(٤) سقط من: م.
(٥) سقط من: ب.
(٦) في ب: "فأشبه".
(٧) في ب: "مكان".
(٨) سقط من: الأصل.
(٩) سقط من: ب. نقل نظر.

<<  <  ج: ص:  >  >>