للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحاكمَ إذا حكَمَ فى مسألةٍ، يَسُوغُ فيها الاجْتهادُ، لم يَسُغْ نَقْضُ حُكْمِه، ولزِمَ غيرَه إمْضاؤُه، والعملُ به، فصارَ بمَنْزِلَةِ الحُكْمِ بالبيِّنةِ العادِلةِ، ولا نُسلِّمُ ما ذكرَه. وإن قال: حَكَمْتُ لَفُلانٍ على فلانٍ بكذا. ولم يُضِفْ حُكمَه إلى بَيِّنةٍ ولا غيرِها، وجبَ قَبولُه. وهو ظاهِرُ مسألةِ الْخِرَقِىِّ؛ فإنَّه لم يذْكُرْ ما ثَبَتَ به الحكمُ، وذلك لأنَّ الحاكمَ متى ما حَكمَ بحُكْمٍ يَسُوغُ فيه الاجْتهادُ، وجبَ قَبولُه، وصارَ بمنْزِلَةِ ما أُجمِعَ عليه.

فصل: وإذا أخْبَرَ القاضى بحُكْمِه فى غيرِ مَوْضعِ وِلايتِه، فظاهرُ كلامِ الخِرَقِىِّ أنَّ قولَه مَقْبولٌ، وخَبَرَه نافذٌ؛ لأنَّه إذا قُبلَ قولُه بحُكمِه بعدَ العَزْلِ وزَوالِ وِلايتِه بالكلِّيَّةِ، فَلأنْ يُقبَلَ مع بَقائِها فى غيرِ مَوضعِ ولايتِه أوْلَى. وقال القاضى: لا يُقْبَلُ قولُه. وقال: لو اجْتمعَ قاضِيَان فى غيرِ ولايتِهما، كقاضى دِمَشْقَ وقاضى مِصْرَ، اجْتمَعا فى بيتِ المَقْدِسِ؛ فأخبرَ أحدُهما الآخرَ بحُكْمٍ حَكمَ به، أو شَهادةٍ ثَبَتَتْ عندَه، لم يَقبَلْ أحدُهما قولَ صاحبِه، ويكونانِ كشاهِدَيْنِ أخبرَ أحدُهما الآخَرَ (١٦) بما عندَه، وليس له أن يَحْكمَ به إذا رجَعَ إلى عمَلِه؛ لأنَّه خَبَرُ مَن ليس بقاضٍ فى مَوْضِعِه. وإن كانا جميعًا فى عَمَلِ أحدِهما، كأنَّهما اجْتمَعا جميعًا فى دِمَشْقَ، فإنَّ قاضىَ دِمَشْقَ لا يَعْمَلُ بما أخْبَرَه به قاضى مِصْرَ؛ لأنَّه يُخبرُه به (١٧) فى غيرِ عملِه. وهل يَعْمَلُ قاضى مِصْرَ (١٨) بما أخْبَرَه به قاضى دِمَشْقَ إذا رجع إلى مِصرَ؟ فيه وَجْهان؛ بِناءً على القاضى، هل له أن يَقْضِىَ بعِلْمِه؟ على رِوَايتَيْنِ؛ لأنَّ قاضىَ دِمَشْقَ أخْبَرَه به فى عملِه. ومذهبُ الشَّافعىِّ فى هذا كَقَوْلِ القاضى هاهُنا.

فصل: إذا ولَّى الإمامُ قاضيًا، ثم مات، لم يَنْعَزلْ؛ لأنَّ الخلفاءَ، رضىَ اللهُ عنهم، ولَّوا حُكَّامًا فى زَمَنِهم، فلم يَنْعَزِلوا بمَوْتِهم، ولأنَّ فى عَزْلِه بمَوْتِ الإمامِ ضَرَرًا على المُسلمين، فإنَّ البُلْدانَ تتعَطَّلُ مِن الحُكَّامِ، وتَقِفُ أحْكامُ الناسِ إلى أن يُوَلِّىَ الإِمامُ الثانى حاكمًا، وفيه ضَررٌ عظيمٌ. وكذلك لا يَنْعَزلُ القاضى إذا عُزِلَ الإمامُ؛ لما ذكَرْنا.


(١٦) فى ب: "صاحبه".
(١٧) لم يرد فى: الأصل.
(١٨) سقط من: م.

<<  <  ج: ص:  >  >>