للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل: قال القاضي: قولُ أحمدَ، رحمه اللهُ: وفي (٩) السِّنِّ السَّوداءِ، ثُلُثُ دِيَتِها. مَحْمُولٌ على سِنٍّ ذهبَتْ مَنْفعَتُها، بحيثُ لا يُمْكِنُه أنْ يعَضَّ بها شيئًا (١٠)، أو كانت تفَتَّتَتْ، فأمَّا إن كانت مَنْفَعتُها باقيةً، ولم يَذهبْ منها إلَّا لَوْنُها، ففيها كمالُ دِيَتِها، سواءٌ قَلَّتْ مَنْفَعتُها، بأنْ عَجَزَ عن عَضِّ الأشياءِ الصُّلْبةِ بها، أو لم يَعْجِزْ؛ لأنَّها باقيةُ المَنْفَعةِ، فكمَلَتْ دِيَتُها، كسائرِ الأعضاءِ، وليس على مَن سوَّدَها إلَّا حُكومةُ. وهذا مذهبُ الشافعيِّ. والصَّحيحُ من مذهبِ أحمدَ ما يُوافِقُ ظاهرَ كلامِه؛ لظاهرِ الأخْبارِ، وقضاءِ عمرَ بنِ الخطَّابِ، رَضِيَ اللهُ عنهُ، وقولِ أكثرِ أهلِ العلمِ، ولأنَّه ذهب جَمالُها بتَسْويدِها، فكمَلَتْ دِيَتُها على مَن سوَّدَها، كما لو سوَّدَ وجهَه. ولم يجبْ على مُتْلِفها أكثرُ مِن ثُلُثِ دِيَتِها، كاليَدِ الشَّلَّاءِ، وكالسِّنِّ إذا كانت بَيْضاءَ فانْقَلعَت، ونبَتَ مكانَها سَوداءُ، لمرضٍ فيها، فإنَّ القاضيَ وأصحابَ الشَّافعيِّ، سلَّموا أنَّها لا تكْمُلُ دِيَتُها.

فصل: فإنْ نبتَتْ أسنانُ صَبِيٍّ سوداءَ، ثم ثغَرَ (١١)، ثم عادَتْ سوداءَ، فدِيَتُها تامَةٌ؛ لأنَّ هذا جِنْسٌ خُلِق على (١٢) هذه الصُّورةِ، فأشْبَهَ من خُلِقَ أسْوَدَ الجسمِ والوجْهِ جميعًا. وإنْ نبتَتْ أوَّلًا بَيْضاءَ، ثم ثُغِرَ، ثم عادتْ سوداءَ، سُئِلَ أهلُ الخِبْرةِ، فإنْ قالوا: ليس السَّوادُ لعِلَّةٍ ولا مَرضٍ، ففيها أيضًا كمالُ دِيَتِها، وإن قالوا: ذلك لمرضٍ فيها. فعلى قالِعِها ثُلُثُ دِيَتِها، أو حُكومةٌ. وقد سلَّم القاضي، وأصحابُ الشافعيِّ الحُكْمَ في هذه الصُّورةِ، وهو حُجَّةٌ عليهم فيما خالَفُوا فيه. ويَحْتَمِلُ أن يكونَ الحُكْمُ فيما إذا (١٣) كانَتْ سوداءَ من ابْتداءِ الخِلْقةِ هكذا؛ لأنَّ المرضَ قد يكونُ في فيه من ابْتداءِ خِلْقتِه، فيثْبُتُ حُكْمُه في نَقْصِ (١٤) دِيَتِها، كما لو كان طارِئًا.


(٩) سقط من: م.
(١٠) في م: "الأشياء".
(١١) تقدم الكلام على: "ثغر" في صفحة ١٣٢.
(١٢) سقط من: الأصل.
(١٣) سقط من: ب، م.
(١٤) في ب، م: "بعض".

<<  <  ج: ص:  >  >>